بقلم : مجدي مغيرة
 
لفت نظري كثرة النساء في اعتصام رابعة بدرجة تكاد تصل إلى نصف العدد ، وربما يقول قائل أن المرأة المصرية شاركت  من قبل في ثورة 1919م ضد الاحتلال الإنجليزي ، وهذا صحيح ، لكن لم تكن مشاركتها بنفس النسبة المئوية العالية التي رأيناها للمرأة في اعتصام رابعة واعتصام النهضة وكل الاعتصامات والمسيرات التي كانت ضد انقلاب العسكر في 3يوليو 2013م ، إضافة إلى أن النساء اللواتي اشتركن في ثورة 1919م كُنًّ من طبقة معينة من طبقات المجتمع المصري ، أما في اعتصامات ما بعد الانقلاب ومسيراته ، فقد كانت المرأة من مختلف طبقات المجتمع المصري .
 
كانت النساء إذن من مختلف الطبقات ، ومن مختلف الأعمار ، فقد رأيتُ المرأة الأستاذة الجامعية ، ورأيت المرأة الريفية البسيطة ، ورأيت المرأة كبيرة السن ، والمرأة الشابة ، والمراهقة ، والبنات في سن الابتدائي والإعدادي ، فضلا عن الصغيرات اللائي ترواحت أعمارهن ما بين سن الرضاعة  إلى الخامسة في العمر .
 
 وقد كانت أغلبهن تأتي من مدينتها أو قريتها القريبة من القاهرة ، أو من سكنها إن كانت تسكن في القاهرة أو ضواحيها ،  وتظل  أغلب الوقت داخل الاعتصام ، ثم تعود أدراجها مع ذويها وأقاربها إلى حيث تسكن ، أما النساء اللواتي أتين من أماكن بعيدة عن القاهرة ، ويَجِدْنَ مشقة في السفر اليومي ، فكانت لهنَّ خيامهن الخاصة بهنَّ .
 
 وكم من أمهاتٍ أتين ليقنعن أبناءهن بترك الاعتصام ، لكنهن قَرَّرْنَ الاعتصام مع أولادهن لمَّا رأين في الاعتصام تلك الروح الإيمانية العالية ، وتلك الأخوة الإنسانية التي سمعن عنها في الكتب ، ورأينها رأي العين في اعتصام رابعة .
 
تميزت المرأة في اعتصام رابعة بروح نضالية عالية ، تجلت في العديد من المشاهد منها :
 
·        غالبا ما كانت تمر على مخيمات الرجال ، تحمل لوحة ورقية مكتوبا عليها بخط كبير عبارات تحث الشباب على الصمود ، وتحضهن على المشاركة في المسيرات اليومية التي كانت تخرج من رابعة إلى مختلف أنحاء القاهرة ، ومن الطريف في أحد أيام رمضان ، وبينما نحن في خيمتنا في منتصف الظهيرة ، وقد عاد كثير من الشباب من مسيرة ، والجميع يتهيأ لأخذ قسط من الراحة أو النوم ، وإذ بامرأة  ما بين ال45 أو ال50 من عمرها  تقف على باب الخيمة وتحمل معها لوحة كبيرة تحض على الخروج للمشاركة في مسيرة كان قد أعلن عنها التحالف ، ولما لم تجد استجابة منا نظرا للتعب الذي أصاب معظمنا ، ابتسمت وقالت بكل ثقة : " مش همشي من هنا غير لما تخرجوا للمسيرة " ؛ فرد عليها أحد الرجال قائلا : احنا لسه راجعين من مسيرة وتعبانين ، وعايزين نرتاح شوية ، فردت سريعا : احنا مش جايين هنا عشان نرتاح ، احنا جايين عشان نرجع الشرعية ........ولأنها أفحمتنا في ردها ، فقد استجاب لها مجموعة من الشباب ، وخرجوا للمشاركة في المسيرة .
 
·        وكم رأيتُ النساء يخرجن في مسيرات صغيرة تترواح أعدادهن فيها ما بين العشر ، إلى العشرين ، إلى الثلاثين امرأة في الطرقات بين الخيام يحملن الطبول ، وينشدن بأناشيد حماسية ، يشجعن فيها الجميع على الصمود والثبات ،ويرددن شعارات يفتخرن فيها بالمحافظات اللائي يُقِمْنَ بها  كالشرقية أو المنوفية أو غيرها من محافظات مصر ، وكنت أبتسم حينما أرى إحدى المنقبات وهي تضرب بالدف ، وتنشد وتغني ، والنساء يرددن خلفها ، وأقول في نفسي : هذه هي المرأة التي يقولون عنها أن نقابها يحبسها في بيتها ، ويمنعها من المشاركة في الحياة العامة .
 
·        و إن أنْسَ ، فلن أنسى طوال حياتي موقفا حدث في ليلة من الليالي...........فقد جاءنا خبرٌ باحتمال الهجوم على الاعتصام في تلك الليلة ، وعلى الجميع أن يتجهز لذلك ، وأخذ كل منا يستعد ، فمنا من كتب وصيته ، ومنا من اتصل على أهله كي يسمع أصواتهم ويسمعون صوته ؛ إذ ربما يكون شهيدا ، ومنا من طلب من زوجته وأولاده الصغار الموجودين معه في الاعتصام أن يخرجوا من الاعتصام ويذهبوا لبيوتهم ، ويبقى هو داخل الاعتصام ، والأولادُ – بنين وبنات - وأمهُم يبكون ، ويرفضون بشدة ترك الاعتصام ، مفضلين الموت شهداء ولا العيش أذلاء ،  وذهبت ليلتها لأتوضأ استعدادا لصلاة القيام ، وفي طريقي إلى الميضأة ، كانت تسير أمامي امرأةٌ منقبة وتتكلم في الموبايل ، وفهمت من كلامها أن زوجها طلب منها الخروج من الاعتصام ، حتى لا تُصَابَ بمكروه ، إذ سمعتها تقول بثقة : مش همشي من هنا ....رجلي على رجلك .....وزي ما يحصل لك يحصل لي ، ومعنى هذا الكلام لمن لا يفهم اللهجة المصرية : { لن أغادر المكان ولن أتركك فيه وحدك ، إما أن ننجو معا أو نموت معا } .
 
·        وقد استمعتُ كثيرا لنساء مصرياتٍ وغير مصريات على منصة رابعة ، من أوربا وأمريكا ومن مختلف أنحاء العالم أتين ليشاركْن في الاعتصام ، وليعلِنَّ رفضهن للانقلاب ، ويطالبن بإعادة الشرعية كاملة ، وباحترام صوت الناخب ، والرضى بنتيجة صندوق الانتخابات .
 
·        فضلا عن ذلك فقد قامت النساء بأدوار كثيرة ، كالمشاركة في إعداد الطعام ، ومعالجة المرضى ، وإسعاف الجرحى ، ونقل وقائع الاعتصام إلى مختلف وكالات أنباء العالم ومختلف الصحف والفضائيات صوتا وصورة .
 
هذه المرأة الجريئة ، صاحبة المبدأ ، هي التي قتلها جنود السيسي  في الاعتصام بلا شفقة ولا رحمة .
 
 هي التي لطمها الضابط بقسوة على خدها ، ورفسها بقدمه في بطنها ، متجردا من المروءة ، ومن الشهامة  ، ومن النبل ، بل ومن الإنسانية .
 
مشاركة المرأة المصرية بقوة في كل فعاليات الحراك الثوري ضد الانقلاب كانت علامة بارزة في تاريخ كفاحنا ، بل علامة فارقة ، حيث شاركت تلك المرأة بكثافة لم تحدث من قبل لا في مصر ، ولا في غيرها من بلادنا العربية – فيما أظن - ، وما زالت تشارك بقوة في كل الفعاليات ، رغم مرور سنتين على الانقلاب ، ورغم قوة البطش وقسوة السجان .
 
سلامٌ على تلك المرأة .....سلام على بطولتها وشجاعتها .....سلام على تمسكها بمبدئها .....سلام على من أحسن تربيتها وإعدادها .