خميس النقيب 
 
مرض العصر وكل عصر،  داء المصر و كل مصر،       فتنة القصر وكل قصر ...!!    الكذب  رأس كل خطيئة واصل كل خراب وبداية كل هلاك ..!! وهو من أقصر الطرق إلى النار  ، كيف؟     
" ..  إياكم والكذِبَ، فإنّ الكَذِبَ يَهْدِي إلَى الفُجُورِ، وإِنّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النّارِ وَمَا يزَالُ العبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرّى الكَذِبَ حَتّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذّابا".[رواه البخاري ومسلم]. 
الكذب يخرب المجتمعات ويدمر الحسنات ويسوق الاشاعات وينمي السيئات ويجلب اللعنات ..!! قال تعالي " ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين " ال عمران .
الكذب يؤدي الي الضلال،  والضلال يؤدي الي النار،  وفي النار نزل من حميم وتصلية جحيم ... { وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُل مِنْ حَمِيم } يَقُول تَعَالَى : وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَيِّت مِنْ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّه , الْجَائِرِينَ عَنْ سَبِيله , فَلَهُ نُزُل مِنْ حَمِيم قَدْ أُغْلِيَ حَتَّى اِنْتَهَى حَرّه .
الكذاب لا يوفق الي الهداية .. .      "إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب". ويقول نبى الإسلام فى الحديث "كن صادقاً فالصدق يؤدى إلى الصلاح والصلاح يؤدى إلى الجنة. احذر الكذب فالكذب يؤدى إلى الضلال والضلال يؤدى إلى النار".
 المؤمن  لا يكون كذَّابًا؛ إذ لا يجتمع إيمانٌ وكذب، ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم: "أيكون المؤمن كذَّابًا؟ قال: لا". مع أنه صلى الله عليه وسلم قد قرر أنه قد يكون بخيلاً أو جبانًا، لكن لا يكون كذَّابًا.
 الكذب من علامات النفاق: "آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خانَ".
والكذب ليس من شِيم الأكابر، بل هو من شِيم الأصاغر، الذين هانوا على أنفسهم فهان عليهم الكذب، ولو كانوا كبارًا في أعين أنفسهم لنأوا بها عن الكذب. قال الشاعر:
لا يكذب المرء إلا من مهانته           أو فعله السوء أو من قلة الأدب
لبعض جيفة كلب خير رائحة           من كذبة المرء في جدٍّ وفي لعب
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "لأن يضعني الصدق -وقَلَّما يضع- أحبَّ إليَّ من أن يرفعني الكذب- وقلَّما يفعل -". 
الكذب يهلك صاحبه قبل ان يضر بالاخرين،  ويحرق مطلقه قبل ان يصل الي المصدقين ..!! 
الكذاب يخبر بخلاف الصدق، وبخلاف الواقع، وهذا أيضًا أشكال متعددة، تتفاوت في الإثم بحسب كل شكل منها، فأعظمها وأكبرها إثما الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً) [الأنعام:21].
وليس هناك ظلم أعظم من الكذب على الله ، قال تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (الأنعام : 21 )... أي ليس هناك أظلم منه ... وبما أنه تقدست أسماؤه نفى الفلاح عن الظالمين ، نقول : ليس لهم في الآخرة حظ إلا الخسران المبين ...
  وشبيه بهذه الآية ، قوله سبحانه :(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) (يونس : 17 )... ونفيه الفلاح عنهم هنا سببه أنهم ارتكبوا أم الجرائم ، ألا وهي : افتراء الكذب عليه تبارك وتعالى... ليس لهم إذن إلا البَوار ... محترفي الكذب مجرمون يروجون حرفتهم ليبلغوا ضيعتهم،  لكنهم سيحرقون انفسهم بنار جهم " يوم لا ينفع مال ولابنون الا من اتي الله بقلب سليم " 
مجرمون ... يدفعهم الكبر إلى الكذب على الله ... فكيف حالهم يوم النشور ؟ قال تعالى :( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ) (الزمر : 60 ) ...وجوه مسودة ، عليها غبرة ، ترهقها قترة ، ظلام ... . وظُلمة... ثم ... إلى السعير.
الكذب على الله ذنب كبير ، بل بهتان عظيم ..وكفى به إثما ، كما قال الواحد القهار : ( انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُّبِيناً) (النساء : 50 ) ...
 التحليل والتحريم، بحسب الأهواء ، ولهذا عنَّف الله الكفار حين ادعوا أن ما شرعوه من عند أنفسهم هو الشرع الذي أوحى به الله: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) [النحل:116].وقال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الشورى:21)
واالكذب علي لنبي صلى الله عليه وسلم  هاكة محققة  ، لذلك حذَّر منه فقال: "مَنْ كَذَبَ عَليَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" [صحيح الجامع الصغير:6519].
 ثم يأتي بعد ذلك الكذب على المؤمنين، ومنه شهادة الزور التي عدَّها النبي صلى الله عليه وسلم من أكبر الكبائر، وكم وُجد في عصرنا هذا من باع دينه وضميره وشهد شهادة زور، فأضاع حقوق الناس أو رماهم بما ليس فيهم، طمعًا في دنيا أو رغبة في انتقام أو  وصولا الي تشفٍّ.
ومنه الكذب في المزاح ليُضحك الناس، وقد جاء في الحديث: "وَيْلٌ لِلّذِي يُحَدّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ". [رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسَّنه]
قال ربنا جل وعلا  : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ) (العنكبوت : 68 ) وفي قوله : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ) (الزمر : 32 ) ... بلى.. إن لهم فيها لمثوى... وقرا راً ... وبئس المثوى وبئس القرار،  يضحكون الناس بالكذب،  ويمنون العباد بالكذب،  ويغمرون البلاد بالاشاعات الهدامة والعبارات البراقة التي لا تثمن ولا تغني من جوع ..!! 
الكذب يكون إما بتزييف الحقائق جزئيا أو كليا أو خلق روايات وأحداث جديدة، بنية وقصد الخداع لتحقيق هدف معين وقد يكون ماديا ونفسيا  واجتماعيا وهو عكس الصدق، والكذب فعل محرم في الدين،  اذا تطور الكذب ولازم الفرد فعند ذاك يكون مصاب بالكذب المرضي. وقد يقترن بعدد من الجرائم مثل الغش والنصب والسرقة. وقد يقترن ببعض المهن أو الادوار مثل الدبلوماسية،  او السياسية،   أو الحرب النفسية الاعلامية.
يقول صاحب الظلال رحمه الله  : خرج عمر يعس بالمدينة ذات ليلة , فمر بدار رجل من المسلمين , فوافقه قائما يصلي , فوقف يستمع قراءته فقرأ:(والطور). . حتى بلغ:(إن عذاب ربك لواقع , ما له من دافع). . قال:قسم ورب الكعبة حق . فنزل عن حماره . واستند إلى حائط , فمكث مليا , ثم رجع إلى منزله , فمكث شهرا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه . رضي الله عنه .
 وعمر - رضي الله عنه - سمع السورة قبل ذلك , وقرأها , وصلى بها , فقد كان رسول الله [ ص ] يصلي بها المغرب . وعمر يعلم . ويتأسى . ولكنها في تلك الليلة صادفت منه قلبا مكشوفا , وحسا مفتوحا , فنفذت إليه وفعلت به هذا الذي فعلت . حين وصلت إليه بثقلها وعنفها وحقيقتها اللدنية المباشرة ; التي تصل إلى القلوب في لحظات خاصة , فتتخللها وتتعمقها , في لمسة مباشرة كهذه اللمسة , تلقى فيها القلب الآية من مصدرها الأول كما تلقاها قلب رسول الله [ ص ] فأطاقها لأنه تهيأ لتلقيها . فأما غيره فيقع لهم شيء مما وقع لعمر - رضي الله عنه - حين تنفذ إليهم بقوة حقيقتها الأولى . .    ويعقب هذا الإيقاع الرهيب مشهد مصاحب له رهيب:       (يوم تمور السماء مورا , وتسير الجبال سيرا). .
 ومشهد السماء الثابتة المبنية بقوة وهي تضطرب وتتقلب كما يضطرب الموج في البحر من هنا إلى هناك بلا قوام . ومشهد الجبال الصلبة الراسية تسير خفيفة رقيقة لا ثبات لها ولا استقرار . أمر مذهل مزلزل . يدل ضمنا على الهول الذي تمور فيه السماء وتسير منه الجبال . فكيف بالمخلوق الإنساني الصغير الضعيف في ذلك الهول المذهل المخيف ?!
 وفي زحمة هذا الهول الذي لا يثبت عليه شيء ; وفي ظل هذا الرعب المزلزل لكل شيء , يعاجل المكذبين بما هو أهول وأرعب . يعاجلهم بالدعاء عليهم بالويل من العزيز الجبار:
 (فويل يومئذ للمكذبين . الذين هم في خوض يلعبون). .
 والدعاء بالويل من الله حكم بالويل وقضاء . فهو أمر لا محالة واقع , ما له من دافع . وهو كائن حتما , يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا . فيتناسب هذا الهول مع ذلك الويل , وينصب كله على المكذبين . .(الذين هم في خوض يلعبون). .
 وهذا الوصف ينطبق ابتداء على أولئك المشركين ومعتقداتهم المتهافتة , وتصوراتهم المهلهلة ; وحياتهم القائمة على تلك المعتقدات وهذه التصورات , التي وصفها القرآن وحكاها في مواضع كثيرة . وهي لعب لا جد فيه . لعب يخوضون فيه كما يخوض اللاعب في الماء , غير قاصد إلى شاطئ أو هدف , سوى الخوض واللعب !! فيا ايها الكذابون كفوا ..!! كفو عن الخوض في اعراض الناس .. كفوا عن الوقيعة بين الناس .. كفوا عن اتهام الناس جزافا وباطلا ..!! 
وكثير هم الذين يحرثون في الماء بالنفاق والكذب ولن يحصدوا من وراء ذلك الا هلاكهم انفسهم ..!! انهم ياخذون الكذب تجارة وحرفة وصنعة،  لكنها تجارة صاغرة بايرة  وحرفة قاصرة حائرة  وصنعة فاسدة جائرة  ، تفسد صاحبها وتهاكه وتدمره وسيشعر بذاك يوما ما ..!! اللهم ارزقنا الصدق في القول والعمل ...