بقلم : وليد شوشة
 
عامان من عمر الانقلاب العسكري الدموي الذى قاده عبدالفتاح السيسي على أول رئيس مدنى منتخب في تاريخ الدولة المصرية الحديثة ،  قد مضيا مليئان بنزيف الدماء الطاهرة، البريئة التي سالت ، ومازالت.
عامان من القتل ، وسفك الدماء بكل وسائل القتل الرخيصة، والتي وصلت إلى حد التصفية الجسدية للعزل الأبرياء الآمنين داخل بيوتهم ، وحتى وصل عدد الشهداء بالألاف، داخل السجون ، وخارجها.
عامان من الحبس ، والاعتقال ، وتكميم الأفواه لكل من يجرؤ على الهمس ببنت شفتاه، ناهيك عن الكلام والمعارضة .
عامان من الانقسام الرهيب ، وجر البلاد جراً إلى أتون حرب أهلية ، أكاد أسمع قرع طبولها على الأبواب ، وأكاد أري شارات الجاهلية تٌرفع ، وأكاد أسمع أنكر الأصوات تعلو ، فلا تسمع صوت العقلاء الذين ينادون بنداء النبي صلى الله عليه وسلم "دعوها فإنها منتنة" .
عامان من الانهيار الاقتصادي لبلد يسكنه تسعين مليون ، ويعيش فيه 40% من مواطنيه تحت خط الفقر،  ويزاحم الأحياء فيه الأموات قبورهم ،بعد أن تبخرت آمالهم في الحصول على وحدة سكنية من المليون وحدة التي وعدهم بها السيسي ، وتصل فيه نسبة البطالة إلى 25% ولا يجد شبابه عملاً، ولا أملا ًبعد أن حدثهم السيسي عن عربات الخضار، ولم يروا شيئا مما تكلم عنه ، واحتلت "أم الدنيا "المرتبة الأولى عالمياً في حوادث الطرق للعام 2014 حسب تقرير منظمة الصحة العالمية، وكان الأعلى عام 2013 بعدد 15578حالة وفاة حسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ، نصفهم من الشباب ، ومازالت الدماء تسيل على الأسفلت ، ولا مهتم.
عامان من الهرولة للخلف مصداقاً لمقولة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي عن مصر حال نزول الجيش إلى الشوارع" الجيش لو نزل الشارع اتكلم عن مصر كمان 30 ...40 سنة ".
عامان بلا برلمان يُشرع ، ويُناقش ، ويُراقب، ويُحاسب ، بل التشريع ، والتنفيذ ،والامر ، والنهى بيد السيسي وحده.
عامان بلا أحزاب ، أو حياة سياسية.
عامان من الرأي الواحد ، فلا يُسمح لغيره ، ولا يُسمع للرأي الآخر، ولا أمل في اعلام حر.
عامان من الخداع ، واللعب بعقول العامة (جهاز الكفتة – قناة السويس الجديدة-العاصمة الجديدة – مليون وحدة سكنية- الخ).
عامان من اضعاف الجيش ، والنيل من كرامته في سيناء ، وبين بقية الشعب، والاجهاز عمداً على بنيته ، وقوته لصالح العدو الصهيوني.
عامان من التجريف الثقافي ، والتربوي ، والعلمي ، والتعليمي ، حتى وصل الحد بمحاكم التفتيش السيساوية  إلى حرق الكتب ، والمصنفات ، وتغيير المناهج ، وغلق المساجد، بل وصلت الوقاحة بهم إلى الاحتفاء ، والرقص على أنقاض الفكر، والعلم ، والثقافة وهم يشعلون النار ذات الوقود " إذ هم عليها قعود".
عامان بلا عيش ، ولا كرامة ، ولا عدالة اجتماعية ، ولا حرية  .
هذا غيض من فيض ، في عامين فقط من عمر الانقلاب العسكري ، وهى هي الأسباب التي أخرجت الشباب المصري ، وتبعته فئات عظيمة من الشعب في ثورة عظيمة لإسقاط نظام سلطوي ، فاشي، حكم البلاد لأكثر من ثلاثين سنة.
ازداد الطين بلة ، وازدادت الأسباب التي أخرجت الشعب للقيام بثورته  في 25 يناير 2011، واشتد الظلم ، وكثر القتل ، وعمرت السجون بكل متحرك ، فلا أمن ، ولا حياة إلا للساكن ، ولا أدرى كيف يحيا الساكن ، الساكت .
وما أجمل شعر الدكتور القرضاوي :
قالوا: السعادة في السكون وفي الخمـول وفي الخمـود
في العيـش بيـن الأهـل لا عيـش المهاجر والطريـد
في لقمـة… تأتـي إليـك بغيـر ما جـهـد جـهـيـد
في المشي خلف الركب في دعـة وفي خطـو وئـيـد
في أن تـقـول كمـا يقـال فـلا اعتـراض ولا ردود
في أن تـسيـر مع القطيـع وأن تـقـاد ولا تـقـود
في أن تـصيـح لكل وال عاش عـهـدكـم المـجـيـد
في أن تـعيـش كما يراد ولا تـعيـش كمـا تـريـد 
ماذا حدث للناس ؟ ما الذى أخرجهم بالأمس ، وأعادهم إلى بيوتهم اليوم ؟ما الذى جعلهم يرفعون أصواتهم ، ويبحون حناجرهم "الشعب يريد اسقاط النظام" حتى إذا سقط رأس النظام، ثم أرجعه القضاء (عودوا إلى مقاعدكم) عاد الشعب أدراجه إلى مقاعده. 
أليس اليوم أدعى ، لأن شيئا لم يتغير، أليس من الواجب عليهم أن ينفخوا التراب الذى أهاله العسكر على ثورتهم ليحيوا من جديد.
إن على الثوار أن ينفخوا من روحهم الثورية  في شعبهم ، حتى ينبهوهم من غفلتهم ، ويوقظوهم من سباتهم ، ويأخذون بأيدهم إلى طريق الخلاص.
إن الثمن غال، وكبير، وفاتورة الانقلاب العسكري باهظة الأثمان ، ولن يكون الخاسر سوى الوطن ، ومواطنيه ، وجيشه ، يقول الشيخ الغزالي :"إن الشجاعة قد تكلف صاحبها فقدان حياته، فهل الجبن يقي صاحبه شر المهالك؟ كلا.
فالذين يموتون في ميادين الحياة وهم يولون الأدبار أضعاف الذين يموتون وهم يقتحمون الأخطار.....وللمجد ثمنه الغالي الذى يتطوع الانسان بدفعه، ولكن الهوان لا يعفى صاحبه من ضريبة يدفعها وهو كاره حقير.....ولو حسبنا ما فقده الشرق تحت وطأة الجهل، والفقر، والمرض لوجدناه أضعاف ما فقده الغرب وهو يبحث عن العلم ، والغنى ، والصحة .
لا قيمة لإنسان يكرس حياته لإشباع شهواته ، وقضاء لباناته فإذا فرغ منها لم يهتم لشيء ، ولم  يبال بعدها بمفقود أو موجود. مثل هذا المخلوق لا يساوى في ميزان الإسلام شيئاً ، ولا يستحق في الدنيا نصراً ، ولا في الاخرة أجراً .
والأمة التي تستثقل أعباء الكفاح ، وتتضايق من مطالب الحرية والعدالة والكرامة ،إنما تحفر لنفسها قبرها ، وتكتب على بنيها ذلاً لا ينتهى آخر الدهر.
الكثيرون يحبون أن يعيشوا معيشة الراحة، والهدوء، والاستكانة ،برغم ما يهدد بلادهم من أخطار ، وما يكتنف مستقبلهم من ظلمات، وحسبهم من الدنيا أن يبحثوا عن الطعام ، والكسوة، فإذا وجدوا من ذلك ما يسد المعدة، ويوارى السوأة فقد وجدوا أصول الحياة  واستغنوا عن فضولها، وتلك لعمرى أحقر حياة ، أذلها ، وما يليق بذلك بأمة كريمة على نفسها ، بله أمة كريمة على الله.
"إن دماء الشعوب غالية ، فالويل لمن يرخصها من الحكام ، والويل لمن يفرط فيها من المحكومين " .