بقلم : السعيد الخميسي :
 
بأي وجه أقبلت علينا يا "عيد...؟ "
 
* لا أريد أن أفسد على أحد فرحته ولا أنتقص من سعادته , ولا أنال من بهجته ومسرته , غير أن رابطة الإسلام بيننا فضلا عن مشاعر الإخوة الإنسانية , تقتضى منا سؤالا طبيعيا : كيف نستقبل العيد ولنا أخوة فى الدين والوطن والإنسانية قد قتلوا ظلما وزورا وخلفهم أطفال رضع , وصغار يتم , وأرامل بلا عائل يسد حاجتهن . كيف يفرح أطفالنا بملابس العيد وبهجته ونشوته , وأطفالهم يبكون بدلا من الدموع الدماء , حزنا ألا يجدوا ماينفقون ..؟ كيف يتسنى لنا أن نفرح وأحباب لنا خلف الأسوار لايرون شمسا ولا قمرا , وإنما يرون سياط الجلادين تلهب ظهورهم حتى علت أصواتهم وصراخاتهم إلى عنان السماء من هول الألم والأنين والعذاب البئيس ..؟ كيف نفرح بأعيادنا , وبنات بريئات وزهراوات يانعات قد غاب آباؤهن تحت الثرى , ولايجدن من يكفكف دموعهن , أو حتى يسأل عنهن ويمسح على رؤوسهن بعد أن اكتست رؤوسهن بغطاء اليتم الأليم . ...؟
 
* كيف يتسنى لنا أن نفرح بك ياعيد , ولون الدماء صار فى بيوتنا علامة القهر والذل والهوان..؟ كيف نستقبلك ياعيد , وأخوات لنا فقدن أزواجهن وأبناءهن دفاعا عن حريتنا ..؟ بل كيف نفرح بك ياعيد بعد ما سرقوا الفرحة من عيوننا , والبهجة من قلوبنا , والأمل من عيوننا...؟ كيف ترانا , بل كيف نراك ياعيد , وسحابة الحزن تكسو كل بيت , وغمامة الكآبة تحوم حول كل أسرة , وصواعق الخطر تنذر بهلاك الحرث والنسل فى هذا الوطن ..؟ كيف ترانا ونراك ياعيد , والموتى فى الشوارع والطرقات لايجدون كفنا يوارون به أجسادهم ...؟ بل كيف نسعد بك ياعيد وقد فقدنا أغلى شئ فى حياتنا وأجمل بسمة فى وطننا , ألا وهى بسمة الأمل ...؟ لأنهم خطفوها ونهبوها وتركونا نصارع أمواج الموت فى بحر هائج متلاطم الأمواج  لايبدو له شاطئ فى الأفق القريب..؟
 
* قل لي " ياعيد " بأي وجه تطل علينا , وبأي وجه نطل نحن عليك  , وشرفاء وأحرار وعلماء ودعاة وأبرياء لايجدون موضع قدم ينامون عليه فى السجون التي تحولت إلى قبور ..؟ هل نهنأ نحن بعيش , ونستمتع بحياة ..؟ أي حياة تلك التي نستمتع بها إلا إذا كانت حياة الديدان , فلم تعد الحياة حياة  , ولم يعد البشر هم البشر ..؟ كل شئ فيك ياوطنى غلا ثمنه وارتفع , إلا دماءنا رخصت وملأت الشوارع والميادين , بعد صارت التهمة هو الدين ولاشئ غير الهوية والدين..؟ كيف نسعد بك " ياعيد " وأنات الثكالى , وأنين الضحايا , وزفرات الجرحى , وصرخات المصابين قد صعدت لرب العالمين ..؟ ياعيد , هل تشعر بمصابنا وهمنا وكربنا وأحزاننا ..؟ ياعيد , لقد خطفوا منا كل شئ وتركونا رمادا تذروه الرياح بلا تغيير فى حاضر ولا أمل فى مستقبل .
 
* ياعيد , لا أشكو إليك بثى وحزنك , وإنما أشكو بثى وحزني إلى الله  , فالشكوى لغير الله مذلة , غير أن الألم فاض فى جنباتنا , وأنفاسنا حبست فى صدورنا , ودموعنا جفت فى عيوننا . لقد تحولت بيوتنا ياعيد إلى سرادقات عزاء فى الصباح وفى المساء . لقد حولوا بيوتنا إلى قبور لاضوء فيها ولاماء ولا حياة لأن سحابة الحزن عششت فوق أركانها . لاذنب لك ياعيد ولا جريمة لأنك يوم من أيام الله . لكن الذنب والجريمة على هولاء الذين حولوا الوطن إلى خرابه تنوح عليها الغربان . أطفالهم يضحكون , وأطفالنا يبكون . أطفالهم يمرحون ويلهون , وأطفالنا بلا عائل على وجوههم هائمون . أطفالهم فى أمواج الخير والسعادة يسبحون , وأطفالنا بلا أم أو أب , يتامى لتراب الأرض يفترشون  . فهل هذا حق وعدل ياعيد..؟  
 
* نشكو إلى الله ياعيد قسوة البلاد وظلم العباد الذين طغوا فى البلاد فأكثروا فيها الفساد . نشكو إليك يا الله بشرا بلا قلوب , ومسؤولين بلا عقول ,  وأشباه بشر بلا رحمة أو شفقة أو رحمة , تحجرت قلوبهم فصارت كالحجارة أو أشد قسوة . استحلوا أعراضنا ودماءنا وبيوتنا بلا سند من شرع أو قانون أو دستور لأن شرعهم وقانونهم ودستورهم هو شرع وقانون الغابة " القوة فوق الحق . " إنهم يقتلوننا على الهوية ولا عجب فقد كشف لنا منهم الزمان خبث الطوية وسوء النية . فبأي وجه تطل علينا ياعيد لنراك وترانا ...؟ شكوانا إليك يا الله , لايعلم همنا وحزننا إلا أنت , ففرج عنا وعن إخواننا وأحبابنا وأصدقائنا وكل مظلوم وصاحب حق , وكل بنى جلدتنا , مانحن فيه من هم وغم وخوف ورعب , ومعذرة لك ياعيد فقد قسوت عليك وأغلظت عليك الكلام , لكنها مشاعر حزن مدفونة بين أضلعي لايراها ولايطلع عليها أحد من الأنام . الله هو الحق ولن ينتصر فى هذا الوطن ولن تعلو راية غير راية الحق . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون .