عزت النمر :

لا شك أن الظروف التي عاشتها مصر بعد الانقلاب ألقت بظلالها على شبابها الطاهر ورجالها الأوفياء , أحداث كثيرة أججت المشاعر ومفاجآت عنيفة كثيرة صدمت كل من شارك في ثورة يناير أو حتى من رحب بها واستبشر بقدومها.

ثورة يناير كانت ومضة الأمل بعد يأس للأجيال الكبيرة , وكانت صحوة الثقة في النفس وزهوة الفرح بالقُدْرة وإثبات الذات للشباب الحالم والأجيال الناشئة , وكانت كذلك لهؤلاء وأولئك صفحة المستقبل الواعد التي أرادوا لها وبها طي ماضي رديئ وتاريخ غابر ووهن قديم وذل حسبوه ولى وانقضى إلى غير رجعة .

داس هؤلاء الحالمون على ماضيهم الكريه وأودعوه خزائن التاريخ العتيدة القاسية وانطلقوا يرسمون بريشة الأمل مستقبل مشرق لبلدهم ولأمتهم ناصع الصورة براق الأمل بألوان زاهية فَرِحَة , ريشتهم غيَّبت كل الخطوط السوداء والظلال الداكنة والألوان الرمادية من لوحتهم القديمة .

هذه الأجواء السارة المفعمة بالأمل والثقة والتفاؤل لم يُكتب لها أن تطول , وكان إنقلاب العسكر بمثابة الصدمة القاسية التي أذهبت العقول وألقت بظلالها من الهول الحي وفقدان الثقة وضياع الأمل ومتاهة الحيرة , ولكن الى حين.

صدمة الإنقلاب تلاها صدمات أشد وأقسى في مؤسسات حظيت يوماً بتقدير واحترام, وشخصيات ورموز فقدت ما كان لها من رصيد وتاريخ, وقطيع من الشعب لم تُفلح معه ذكرى أيادي بيضاء طالما أحسنت له , هذا القطيع تنكَّر لأشخاص ورموز وهيئات أعانته حيناً وعالجته حيناً وأطعمته حيناً وحفظت له كرامته وعفته بل وحياته أحايين كثيرة.

صدمات عنيفة أخرى بدت في كم الكذب والزور والبهتان والخيانة والعمالة التي طفحت في كل جوانب الانقلاب ورموزه ومؤيديه , إضافة إلى حماسة الإنقلابيين وأتباعهم في محاربة كل القيم والاخلاق , والسماح لكلاب الانقلاب الحقيرة ــ وهم كثرــ في ازدراء واهانة وتشوية ومحاربة أصل الاسلام وفروعه ورموزه ومحبيه.

ثالث الأثافي كانت في كم الدماء التي أريقت في الميادين , والقتل والحرق الذي انتشر على قوارع الطرق , ومن نجا من ذلك في شوارع المحروسة فلينتظر مصيره في الزنازين , ومن تحدى داخليتها بعمر يطول فلن يعدم طريقاً الى القبر على يد قضاء مصر وقدرها المشؤوم .
هذا كله وغيره كثير جعل الحديث عن الجهاد والاستشهاد واجب الوقت وهوى القلب ومراد النفس وأحلام الليل والنهار أملاً في قصاص عادل ورغبةً في إحياء الأمل في مستقبل لن يكون ولن يعود الا بذهاب هذا الإنقلاب وطغمته الفاسدة ووجه الكفور.

ثمة شئ تنبئ به الأحداث المحلية والاقليمية والدولية وتثبته بما لا يداخله شك أن القوة ولا شيء غيرها من ستحسم الأمور, وأن الجهاد بالسلاح ــ إذا أتت لحظته ــ هو السبيل والطريق والوسيلة بعدما نفذ كل رصيد سواه , وبعدما تواطئ الداخل والخارج على الثورة ورموزها وأبنائها واستغلوا في ذلك نُبْل غايتها وأخلاق قادتها ورحمة أبنائها وطيبتهم الوافرة .

هذه النتيجة والمآل الذي تفضي اليه ثورتنا المتجددة تحتاج منا جميعاً الى وقفة مصارحة جادة وصادقة , يخاطب بها كل منا نفسه قبل أن يوجه خطابه إلى غيره . وهي أسئلة في حوار صريح مع النفس أقصد بها التجهز والاستعداد وأعوذ بالله أن يُفهم منها التخذيل أوالتخويف أو التأجيل والتردد ..
ماذا قدمنا بين يدي الاستعداد للجهاد ؟ هل أعددنا العدة وتجهزنا لصيحته والنداء ؟ هل وعينا حقيقة ميادين الجهاد وما فيها من آلام ولأواء ؟ هل تملكتنا قيم الجهاد وأخلاقه حتى نفرق بين قصاص عادل وانتقام غشوم ؟

أليست من أدبياتنا أن رجل القول غير رجل العمل ورجل العمل غير رجل الجهاد ورجل الجهاد غير رجل الجهاد النتج الحكيم ؟!..
فيا أنا ويا أنت ويا كل متحمس .. من أي الرجال أنت ؟

[email protected]
https://www.facebook.com/ezzat.elnemr.9