أحمد القاعود

يخرج عبدالفتاح السيسي على أنصاره، ليخطب فيهم بمخراج ألفاظ رديئة، حول تحرير شبه جزيرة سيناء، وبينما هو يحتفل بالتحرير، يشن حربا ضروسا على الأهالي هناك. لا غرابة فتعودنا من قائد الانقلاب العسكري على التناقض الفج والصارخ بين أقواله وأفعاله.

وقت أن كان السيسي وزيرا للدفاع وتحت إمرة رئيس يخشي عواقب التورط فى الدماء، قال السيسي للضباط فى إحدى الندوات، أن القيام بأي عملية ضد الأهالي هناك، سيكون لها عواقب وخيمة، فما أسهل الحصار والضرب بدون أهداف، وإثارة كراهية السكان لضباط الجيش وأفراده.

الآن يرتكب السيسي بوحشية كل ما قال عكسه فى السابق، يشن حملة إبادة ضد جزء أصيل ومهم من الشعب المصري، ويمارس هوايته فى قتل الأطفال والنساء والشيوخ، بينما لا تقدر قواته على مواجهة عشرات المسلحين، رغم عدم موضوعية المقارنة بين سلاح الجيش وسلاح المعارضين له هناك.

يحاول السيسي تقديم فروض الولاء والطاعة للكيان الصهيوني، فإذا كان تسليم شبه الجزيرة ذات المساحة الواسعة لاسرائيل، أمرا غير مقبولا الأن، فإن تحويلها لحاجز طبيعي يفصل بينها وبين الكتلة البشرية الأضخم فى وادي النيل، هو الأمر القابل للتحقيق.

لم يعمل النظام الحاكم فى مصر على تنمية الجزيرة، منذ عشرات السنين، أهملها الحكم العسكري، ولم ينميها، خوّن أهلها واعتبرهم عملاء لاسرائيل بينما النظام كله خاضع لأوامرها.

وفى تقديري أن الانقلاب العسكري، ما كان ليقع فى مصر ضد أول رئيس منتخب فى التاريخ المصري كله، إلا لأن الكيان يخشى أن يثبت أقدامه، فحالة الصحوة التى صاحبت ثورة 25 يناير، وكان جزء مهم منها هو عمالة نظام حسني مبارك لاسرائيل، ما كان الكيان ليسمح بأن تستمر، فمقارنة بسيطة بين موقف مصر أثناء عدوان اسرائيل على قطاع غزة فى 2012 وقت الرئيس مرسي، وبين حربها الاجرامية، على القطاع وقت السيسي، يؤكد أن هناك فارق واسع فى المواقف، ومن النقيض للنقيض.

أرسل مرسي رئيس وزرائه هشام قنديل لزيارة القطاع تحت القصف الصهيوني، وأطلق تحركا ديبلوماسية قويا، وتصريحات قل أن يتفوه بها زعيم عربي تجاه الكيان، جعل اسرائيل توقف عدوانها بعد نحو أسبوع. فى عهد السيسي كان نظامه غارقا فى الجريمة، ملوثا بدماء ألاف الشهداء الذين سقطوا، فكراهية النظام الوحشي الجديد لكل ما هو اسلامي، جعله يتوهم أن استمرار العدوان على غزة لأكثر من 50 يوميا، قد ينهي المقاومة الاسلامية هناك، ناهيك عن عشرات الوقائع التى تؤكد تورط السيسي فى العدوان على غزة سواء عبر المساعدة المباشرة أو الصمت أو من خلال وسائل الدعاية السوداء التى تسمي إعلاما فى مصر، وهنا يجب تذكر صورة أحد مسوخه المقربين من السيسي وهو يرفع الحذاء لأهل فلسطين أثناء العدوان عليها.

الأصوات الزاعقة التى ملأت الفضاء العام والخاص بإهمال حسني مبارك لسيناء وقت أن كان رئيسا، وحملته مسؤولية ضياعها معنويا، وهو بالفعل كذلك، لم تعد تتحدث مطلقا عن تنمية سيناء ومظالم أهلها، ولا عن تعميرها بشريا، وتقليل الكثافة السكانية فى الوادي لجعلها، كتل بشرية تصد أي تقدم صهيوني فى المستقبل. فبطش "بيادة" السلطة الراغبة فى تسليم سيناء لاسرائيل أقوى من أن يدفع واحد من هؤلاء للمغامرة بالحديث فيما "لا يخصه".

وكيف لمن صمتوا على حرق ألاف المصريين أحياء أمام شاشات التلفزة فى وضح النهار، أن يتحدثوا عن مظالم أهل سيناء أو غيرها من المظالم. ففى داخل القاهرة نفسها مبنى تمارس فيه الفظائع ضد الانسانية، يسمى قسم شرطة المطرية، فى هذا المبنى الكريه ترعى وزارة الداخلية بأوامر من سلطتها العسكرية عمليات تصفية وتعذيب للمعارضين المسالمين هناك، وأصبح تشييع الشهداء المقتولين من هذا القسم بصورة شبه أسبوعية إن لم تكن يومية.

أمام هذه الجرائم الوحشية لا تجد مراكز "حقوق الانسان" الممولة أمريكيا وأوربيا أي غضاضة فى أن تصمت أو تتجاوز عن تصرفات النظام الهمجية إذا كان ضحاياه من المسلمين المتدينين، بينما تنتفض صراخا وتدشن الفعاليات إذا ما لمّح أحد بأن هناك من سب الدين، والتلميح والامتعاض من سب الدين فى نظر هؤلاء جريمة لا تغتفر وحق إنساني، بزعمهم، يجب أن ينتفضوا له.

فى هذه المقتلة الدائرة فى مصر، لا يسمع أحد أصوات نشاز عن التيار العام الداعي لاستمرار القتل وإرهاب السلطة، ولا يخرج أحد يطالب بفتح حوار أو نظر فى مظالم، فالجميع يخشى أن يدوسه التيار، فغابت أصوات العقل والحكمة وأفسحت الساحة للمتطرفين الكارهين للحق والحرية ليمارسوا غايتهم اليومية فى التحريض على إبادة الأهالي والمعارضين.

[email protected]

المقالات المنشورة تحمل وجهة نظر أصحابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع