أحمد القاعود

على حين غرة، وجد المصريون، ومعهم العرب أيضا، أنفسهم معرضون للاستماع لنشيد "صليل الصوارم" الشهير لتنظيم الدولة، فأناشيد التنظيمات الجهادية المسلحة التى ظلت عصية على الانتشار خارج نطاق أعضائها، والمقربين منها، إما بسبب عدم إمتلاك وسائل إعلام جماهيري قوية أو منصات واسعة الانتشار، أو لعدم اكتراث الجمهور بأدبيات هذه الجماعات ورفضهم المبدئي لها، وعدم سعيهم للبحث فى منتجاتها الفكرية، كان سببا رئيسا فى عدم انتشار هذه الأعمال أو معرفة الجمهور بها.

ومنذ ظهور تنظيم الدولة الاسلامية، منذ ما يقرب العامين، بعد أن كان اسمه تنظيم دولة العراق والشام الاسلامية، واعلانه "للخلافة الاسلامية" فى "عاصمته" الموصل، كان كل ما يعرف عن التنظيم أنه أحد فروع تنظيم القاعدة فى العراق وتوسع لتشمل عملياته الأراضي السورية، بعد تدخل كافة الأطراف الدولية فى الحرب المسلحة، الدائرة على خلفية ثورة منكوبة هناك. فلا أحد يسمع أخبار الا عمليات انتحارية وعمليات قتل هنا وهناك إلى أن أدخل التنظيم فكرة الصدمة والترويع فى خطابه الاعلامي، الذى يقوم بالأساس على أعلى مستويات الفعل، دون الاكتراث لأي نوع من ردود الفعل عليه.

عملية الصدمة التى عمل التنظيم على استثمارها اعلاميا، وخطابيا، لم تتمثل فى قسوة المشاهد التى يقوم بها، والتى بدأت بعملية ذبح لأشخاص غربيين، تلاهم عمليات أخرى مشابهة لجنود بشار الأسد، وممن يتهمهم التنظيم بالعمالة للأنظمة الحاكمة، سواء فى العراق أو سوريا، وانما تمثلت فى إدخال عملية التصوير السينمائي، المأخوذ فى الغالب من الأسلوب "الهولويودي" إلى الموضوع.

هذا التحول والتطوير لعملية انتقام ممن يعتبرهم التنظيم أعداء له، لا يمكن وصفه بأنه عملية قتل فقط، وانما هي رسالة بالأساس للعالم أجمع وأعداء التنظيم خصوصا، اذ لا تمثل عملية قتل عدو أو جاسوس، أهمية لطرف ما فى نزاع مسلح، لدرجة تجعله يقوم بتصوير وانتاج واخراج المشاهد فنيا، إلا اذا كانت تنطوي على رسالة قوية، وهى جزء من خطاب اعلامي عمل التنظيم على تصديره متجاهلا أي رد فعل حوله.

وبالعودة إلى "صليل الصوارم" التى بدأت المواقع الاخبارية والقنوات الفضائية تتناولها، بعد أن قاد نشطاء مواقع التواصل حملات للسخرية منها، كان معظمها قادما من مصر، تارة باصدار نسخة شعبية من النشيد، على أنغام "الطبلة البلدي" وأخري على أنغام ذات الطبلة "لكن على رقص نادية لطفي ومعها الفنان الراحل عبدالمنعم ابراهيم وهو يقوم "بتخريط الملوخية" فى فيلم "قصر الشوق" لنجيب محفوظ، وثالثة مع الفنان محمد سعد بشخصيته الشهيرة "الليمبي" وغيرها من عمليات السخرية بالمونتاج، وصولا إلى قيام عروسين بالرقص على النشيد فى حفل زفافهما، مرتديين قناع التنظيم الشهير أثناء عملية الذبح.

كل ذلك وما ردده كثيرون سواء على مواقع التواصل أو الفضائيات أو تقارير اخبارية فى الصحف والمواقع الاليكترونية، بأنه سخرية من النشيد الأشهر للتنظيم، واعلان حب الحياة فى مواجهة الموت الأتي من هذا التنظيم، ليس كما يتخيله البعض أو يتصوره بأنه هزيمة لتنظيم الدولة، أو استهزاء شعبي واسع من أدبياتها.

فعملية اخراج نشيد قام بأدائه منشد "ذو صوت جذاب" من نطاق ضيق محصور بين أعضاء تنظيم يمارس أفعال بالغة القسوة، إلى فضاء واسع ورحب، وإلى مستويات لم يكن يتخيل أن يخاطبها التنظيم، وهي المستويات الشعبية التى عادة ما يستهويها لون ما من الثقافة أو الأغاني، يمكن توصيفه بثقافة " التوك توك" الشهيرة فى مصر، يبدو أنها ستكون مخالفة لما اعتقده الساخرون.

عملية الصدمة فى مشاهد بالغة القسوة، مصحوبة باخراج فني قوي وعلى مستوى عال من الانتاج، كان لها نصيب كبير فى تداول المشاهد، واثارة الرغبة، لدى قطاعات ليست بالقليلة، فى البحث عنها لمشاهدتها، رغم الفظائع المرتكبة فيها، وهذا ما نجح التنظيم فى الوصول إليه.

إذن الفكرة الأساسية للخطاب الاعلامي لتنظيم الدولة هي الرعب والتأثير، فاذا أصابك شيئ من الفزع من المشاهد، فالبتأكيد ستخشى من التنظيم حتى لوكنت جنديا فى جيش قوي، أو قائدا كبيرا فيه، فصور الجنود والضباط فى أقفاص حديدية بزي الاعدام الأحمر، كفيلة بأن يتمني أي جندي ألا يكون فى مواجهة أعضاء التنظيم أو يكون مصيره الأسر، ونهاية مأساوية بعدسات هوليودية يتناقلها الملايين على مواقع التواصل.

ومن هنا فان ما يسوق له اعلاميا على أن هناك سخرية ورفض لنشيد داعش، وهو مايمثل خسارة للتنظيم، لا يمكن اعتباره حقيقيا، حتى وان بدا غير ذلك، فمجرد تعرض جمهور لم يكن مهتما أو غير عابئ بالأمر، للقضية حتى لو من باب السخرية، فانك بخلاف من استهزأ وضحك، هناك من أعجب بالنشيد، وبحث عن غيره من الأناشيد، وهناك أيضا من اهتم بالتنظيم وبحث عن أخباره.

فعملية سخرية واسعة أو استهزاء من تنظيم الدولة، لن تلقى بالا أو اهتماما من جانب تنظيم متمرد على النظام العالمي، ولا يلقي أدني التفات لأي رد فعل تجاه ما يقوم به من عمليات ترويع أو ذبح لخصومه.

لذلك فالمحصلة النهائية من عملية سخرية واسعة، هى الصب فى صالح التنظيم والعمل على التعريف به، لا العمل على حصاره أو مواجهته، إذ أن طرق المواجهة الحقيقية لا تقوم على السخرية، فى مناطق محروقة تدور أطرافها فى معادلة صفرية.