حازم سعيد :

رصدت الأسبوع الماضي مجموعة مقالات لأدعياء سلفيين يتحدثون عن الإخوان ( في تزامن عجيب وفيما يشبه الحملة الموجهة )، أحدهم من فرط جموحه يتمني لو أن الإخوان زالوا من الأرض زوالاً لدرجة أنه يدعو أتباع الإخوان أن يتركوها أو يحلوها ويقدم لهم أجندة إرشادية لكيف يحلون التنظيم . لن أرد على هذا الجامح فما أتي به من فلسفات وتنظيرات تبين لمثلي – إن كان لي فراسة يوماً ما – أنه متعلم حديث في أحد العلوم الإدارية وبعض فروع التنمية البشرية فأحدثت له داخل نفسه انبهاراً بما أوتي من قشور في تلك العلوم فانخدع بها وأخذ ينظر ويقعد ويقعر ويمنطق الممنطق ويفلسف المفلسف فأخرج جنيناً مشوهاً تحار في فهمه والاسترسال معه لطوله المسرف وتعقيده الشديد ( وكنت أظن مقالاتي طويلة ففوجئت بمن يكتب ما هو أطول بمراحل )  ...

أما الذي أردت أن أعلق عليه فهو المدعو عبد المنعم الشحات والذي يتحدث في مقالة طويلة مملة عن مبررات خذلانهم للصف الإسلامي عامة والإخوان خاصة فيما مضى وإلى الآن ، وتدرج من ذلك إلى الهجوم على الإخوان وانتقادهم والإتيان بالشاردة والواردة مع لي أعناق الأحداث ليستخلص منها مجموعة مثالب بين رمي الإخوان بأنهم تكفيريون وبين أنهم يسترضون التيار العلماني والليبرالي وأن على أنصار الإخوان الذين رأوا في انقلاب العسكر أنه حرب دينية أن يتراجعوا عن رؤيتهم هذه لأن الإخوان أنفسهم يسترضون العلمانيين ... فعلى أنصار الإخوان أن يستفيقوا !

أردت أن أعلق على هذا الذي أعمى الله بصيرته عن الحق ، وسلك مسلكاً من الغي يناقض به ما عاش سنيناً يخدعنا به هو وفصيله عن الولاء والبراء ، ثم لما آن أوان الجد إذا هم أبعد الناس عن قواعد الولاء والبراء . 

 

بجاحة

مجرد كلام مثل هذا الشخص عن الإخوان بعد ما شارك في المذابح ضدهم بتأييده للانقلاب العسكري ووقوفه معه هو وفصيله والاصطفاف والتخندق سواءاً بسواء مع بابا الكنيسة ومع العلمانيين والليبراليين ، وتواطؤهم وتعاونهم وتأييدهم للانقلاب على الرئيس المصلي محتضن العلماء حافظ القرآن ، إن مجرد كلام مثل هذا هو درب من دروب البجاحة .

بأي وجه يتكلم هذا الدعي بعد أن قتل حفاظ القرآن على يده التي تلطخت بدمائهم ولم نر له توبة ولا إنكاراً ولا عودة عن هذا الغي والإفك الذي شارك فيه هو وفصيله . لا أرى لذلك مصطلحاً إلا : البجاحة .

ولو أني لا أنتمي للإخوان لقلت فيه ألفاظاً على غرار الكتاب العلمانيين الذين أيدهم ودعمهم وتخندق في صفهم ، لكن ديني ثم دعوتي التي تربيت عليها تمنعني من هذه الألفاظ ، فأكتفي بلفظ البجاحة تعبيراً واضحاً وملخصاً وافياً لكتابة مثله عن الإخوان وانتقاده لمواقفهم .

 

بطحة

ويبدو أنه على رأسه بطحة ، لا أستطيع أن أصل بها إلى أن تكون شعوراً بالذنب ، فالذي يكتب مثل ما كتب لا أشك أن بصيرته انطمست وعينه عميت فلا يشعر بذنب ولا تأنيب ضمير ، والذي أراه أن على رأسه بطحة فأخذ ما يقرب من ثلاثة أرباع صفحة يبرر مواقف حزبه وفصيله الذي يدعي السلفية ، ويتحدث عن أنها – وللعجب كلها خالفت الإخوان ومن معهم من الإسلاميين على طول الخط ( ولم يتفق معهم إسلاميون من غير الإخوان إلا في موقف الانتخابات البرلمانية ) – أقول يتحدث عنها كلها أنها قياسات للمصالح والمفاسد .

وهو يبرر ويقعد وينظر لمواقف حزبه وفصيله ، ترى البطحة وهي مستديرة في منتصف رأسه ، إنه يقعد كلاماً ما كنت أظن مدعياً الانتساب للعلم أن يكتب مثله ، فحسبنا الله ونعم الوكيل ، وبيننا وبينك الموقف يا هذا ، فبؤ بخزيك أنت وفصيلك وأعد للجواب عدته فالسؤال بين يدي القوي الجبار رهيب .

 

أخطاء منهجية :

وأنا لا أحب أن أخوض في الترهات – والكلام الفارغ – الذي كتبه ذلك الدعي ، وإنما أطوف حول أخطاء منهجية رهيبة وقع فيها من نوعية :

1. حاطب ليل لا يستوثق من الروايات – إن أحسنت الظن – ويكذب ويتحرى ويروج الكذب – إن ظننت به غير ذلك - : لقد دخل المقالة من بدايتها وأمامه هدف واحد ، أن يثبت أن الإخوان هم المخطئون ، وأن الإخوان هم الذين يسعون ليسترضوا الغرب ويسترضوا العلمانيين ويصطفوا معهم ، فإذا به يجمع مجموعة من الاستدلالات العشوائية الشاردة والواردة ويمنطق فيها ويستخلص منها الدروس والعبر والعظات والدلالات وهي أبعد ما تكون عن صلاحية الاستدلال بها ، وهو فيها كحاطب الليل الذي يجمع الحطب في الظلام فلا يدري أيجمع ما يصلح للحرق أم لا ، فتكون النتيجة أن ما جمعه مختلط يحتاج إلى تمحيص وفرز لاستخراج ما يصلح مما ليصلح .

وهو وقد عميت بصيرته يجمع من الأحداث والشواهد والتي أغلبها لا تمت للإخوان بصلة في ظل ظلمة البصيرة ما يحتاج إلى تمحيص وفحص وفرز ، وينقل نقولات عن أشخاص أغلبهم متعاطفين مع الإخوان وليسوا أعضاء تنظيميين في الإخوان ثم ينسبها للإخوان مع أنه من المعلوم بالضرورة أنه لا ينسب للفصيل رأي إلا ما كان صادراً عن زعيم الفصيل أو بيان ممهور باسم الفصيل أو المتحدث الإعلامي باسم الفصيل ، فما بالك وهو ينسب لمتعاطفين مع الفصيل أشياء ثم يحمل تبعاتها للفصيل نفسه ، هذا هو الخطأ المنهجي الأول .

 

2. الخطأ المنهجي الثاني هو أنه يقول أن ما اتخذه فصيله من مواقف وآراء كلها تخضع لميزان المصالح والمفاسد : وهنا ألفت نظره لنقطتين ، الأولى : هل تراها مصادفة أن تكون كل تقديرات المصالح والمفاسد عندكم دائما ً وعلى طول الخط مخالفة للإخوان واجتهاداتهم !

النقطة الثانية : أن من هذه المواقف ما لايصلح أن يكون قياسه وتكوين الرأي فيه على ميزان المصالح والمفاسد ، حين أرى أن عناصر الانقلاب هي : العسكر العلمانيون الذين ساموا البلد خسفاً على مدار عقود  ، والكنيسة المتطرفة ، والعلمانيون والليبراليون ، والشيوعيون والاشتراكيون ، وكل الأحزاب العلمانية التي لا تقوم على أساس ديني ، بل على أساس كرهها للدين ، حين أراها كلها تصطف ضد الرئيس حامل القرآن ، وفصيله الذي ( يزعم ) أنه يقوم على أساس ديني ، وانضم معه وتخندق كل الإسلاميين ما عدا أدعياء السلفية من المنتمين لحزب الزور والضلال ، حينها لا يكون الموقف قياس مصالح ومفاسد ، بل هو ، وتعالى أعلمك أيها الجاهل : ولاء وبراء .

وأحيلك على كاتب وشيخ له قدم وباع في الكيان الذي يسمي نفسه " الدعوة السلفية " بالإسكندرية اسمه : ياسر برهامي : له كتاب اسمه : " تمام المنة " يتحدث فيه عن قواعد الولاء والبراء ، ارجع إليه لتعرف كيف تفرق بين قياس المصالح والمفاسد وبين القضايا المحسومة التي تدخل في نطاق الولاء والبراء ، ثم بعد ذلك دل كاتبه عليه ليعاود قراءته ليعلم ما الذي كان ينادي به من قبل .

وما أملك لكم أن نزع الله من بصيرتكم كل بصر فلم تستطيعوا التفريق ولا التمييز بين الأمور القياسية الاجتهادية وبين ما هو محسوم وواضح ويراه كل مؤمن متبصر بعين البصيرة من الولاء والبراء .

 

3. عدم التفريق بين ما يصح الإنكار فيه وبين ما لا يصح :

ولأن بصيرته انطمست فلم يستطع التفريق بين ما يصح فيه الإنكار على الإخوان فيه وبين ما لا يصح ، فأخذ يعدد شواهد على سبيل الاستدلال بمواقف الإخوان الخاطئة فوقع في كارثة الكوارث ، وانتقد الإخوان بسبب ما أطلق عليه الدعوة للجهاد ، واقرأ معي هذا النص لترى كيف يقود الإنسان نفسه بإسرافه في عداوة غيره للخطأ الفاحش والرهيب ، اقرأ معي ما يكتبه في معرض سرده لسلسلة أخطاء الإخوان :

" ثم كان المقال المنشور في "إخوان أون لاين" وممهور بتوقيع وهمى "فارس الثورة"؛ مما يجعله بمنزلة البيان الرسمي، والذى دعا إلى الجهاد وأعاد الثناء على النظام الخاص " انتهى .

( ولاحظ معي عزيزي القارئ إستماتته لنسبة الكلام للإخوان بقوله : مما يجعله بمنزلة البيان الرسمي ) ...

أقول : وكأن الدعوة للجهاد أصبحت خطأ نحاسب عليه ، والجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة ، فماذا أفعل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واقرأ مقالة فارس الثورة – عزيزي القارئ – وابحث فيها عن أي خطأ يخالف منهج الإسلام وحدثني بعدها كيف ينتقد هذا الدعي الإخوان بسبب مثل هذه المقالة ، وكيف له يعد الدعوة إلى الجهاد كأحد أخطاء المقالة بدليل ضمها للثناء على النظام الخاص الذي يسوقه في معرض الذم والانتقاص .

واقرأ له تناقضه الرهيب في نقده لموقف للعلامة الشيخ القرضاوي ( كأحد رموز الإخوان ) ثم يقول أنه يفعل نفس فعل الشيخ القرضاوي بيد أن مرجعية فعلته تختلف عن مرجعية فعلة الشيخ القرضاوي ، فهلا شققت عن صدر الشيخ فرأيت ذلك ، اقرأ له وتدبر غباء الطرح وسذاجة التناول وبلاهة التبرير وتخلف الطرح الإعلامي :

" فالقرضاوي يعزى في صحفي الجريدة الفرنسية التي نشرت رسوما تستهزئ فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ! (وبالطبع نحن نستنكر الحادث، ولكن ليس من باب أن هؤلاء أبرياء أو يستحقون التعزية، ولكن من باب حتى لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " انتهى .. لا تضحك أخي فمن البلاهة ما يبكي ولا يضحك وأحسب هذا واحداً منها .

اقرأ له أيضاً وأخيراً تناقضه بين اتهام الإخوان بالتكفير لمدة نصف صفحة أو أكثر وبين استرضاء الإخوان للعلمانيين والليبراليين في نصف صفحة أخرى ، فاختر احدة ثم العب عليها أيها الغر الساذج : إما أننا تكفيريون أو مسترضون للعلمانيين والليبراليين ، وليست التهمتان سواء ، فاختر لنا واحدة ثم ارمنا بها !

 

4. الكذب والتدليس والرمي بالشبهات والعام دون التثبت  :

ويكفيك على هذه مثلاً لتكتشف أن عين العداوة للإخوان أعمت بصره وبصيرته حتى أنه لم يعد يميز بين ما صدعوا رؤوسنا به دهوراً وأعوام عن التثبت والدقة في الرواية وقواعد الجرح والتعديل لتعلم أنهم يدوسون على هذا الكلام ليقذف المؤمنين من الإخوان بما ليس فيهم نسبة لبعض الصحف .. هكذا والله لمنتسب للسلف ولرواة الحديث الشريف ( بعض الصحف ) في فضيحة ستسطر في كتب التاريخ لمن يدعي الانتساب للسلف :  

" ثم كانت قاصمة الظهر وهى زيارة الكونجرس الأمريكي زيارة استعطاف أن حكم الإخوان كان يراعى الحريات ويظلل بجناحيه على العلمانيين والليبراليين (بل نسبت بعض الصحف لهم أنهم أضافوا الشواذ، وأضافوا أن الشواذ مضطهدين الآن في عهد السيسي)!! إذن فقد عادت الجماعة مرة أخرى لأمر فعلته قبل هذا مرات، وهو تبنى الخطاب العلماني بحذافيره أو بنكهة إسلامية وبطلب النصرة من أمريكا على الحكومات المحلية " انتهى

 

هل يصدق هؤلاء الناس أنفسهم ؟

والله لا أملك إلا أن أسائل نفسي في النهاية هل يصدق هؤلاء الأفاقون أنفسهم ؟ وهل يمكن أن يطمس الله بصيرة العبد بغروره بما آتاه الله من ظواهر النصوص – إن كان أوتيها – أو بموقف خذل فيه مسلماً مثلما وقف هؤلاء .. هل يمكن أن يطمس الله بصيرة العبد لهذه الدرجة ؟

سبحانك .. اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن ومن السلب بعد العطاء ومن اتباع الهوى ومن عمى البصيرة .. اللهم آمين .

 

كبسولات :

1. رأيت حواراً لحسن نافعة على قناة الجزيرة حول المشهد المصري وهل يستمر هذا العنف بعد موجة شهداء قسم المطرية  وموجة التفجيرات التي اجتاحت مصر يوم الخميس الماضي ، فإذا بي أراها نفس الأوجه العلمانية الخسيسة النجسة التي لوت أعناق النصوص ووضعت نظريات وقعدت قواعد لتبرر خستها ونجاستها وأكلها لصنم العجوة ( الديمقراطية ) الذي أكلوه لما لم يأتي بهم لسدة الحكم ، شاهت الوجوه .. شاهت الوجوه .. شاهت الوجوه .

2. شاهدت مجموعة من فئة الطفيليين المسماة قديماً ( مشخصاتية ) وحديثاً ( فنانين ) وهي تقوم بالتسول والشحاتة في أوبريت مغازلة أهل الخليج والذي هو بعنوان ( مصر قريبة ) لأرى كم التزاوج بين هذه الأدوات وبين العسكر وتذكرت الضابط موافي ( صفوت الشريف ) الذي طالما جند شخصيات من تلك الفئة في الرذائل والفضائح ليستخدمهم فيما يريد ، إنه زواج كاثوليكي مؤبد بين العسكر الحرامية وبين هذه الفئة من المخلوقات الشهوانية . وانظر لعين الممثلة التي تعطي وردة للمواطن الخليجي ونظرتها له لتعلم ما أقول . حسبنا الله ونعم الوكيل .

3. حكم تأييد الإعدام على أربعة من الإخوان حسبوه عامل إحباط أو تيئيس لنا ، ولا يعرفون أن مثل هذا يزيد من إصرارنا ويلهب عزمنا على الثأر من كل كلاب الانقلاب خاصة من القضاء الفاسد الفاشل الذي سيأتي يوم نقتص فيه منه ومن رموزه قصاصاً ثورياً عادلاً .. ويسئلونك متى هو قل عسى أن يكون قريباً ! ما قلته عن تأييد حكم إعدام الأربعة أقوله عن حكم اعتبار المنظمة المجاهدة التي تواجه اليهود في فلسطين المحتلة أنها إرهابية .. سيأتي اليوم القريب إن شاء الله الذي تعلمون فيه من الإرهابي أيها البلطجية المجرمون في ثياب قضاة .

-------------

[email protected]

https://twitter.com/hazemsa3eed