أ.د إبراهيم أبو محمد
•         العالم كله الآن يعيش أكثر من أي وقت مضى على كف عفريت ، وكف العفريت يجعل الخوف هو السيد و،هو السائد ،فالكل يخاف من الكل ،والكل يشكك في الكل ، سوء النية وسوء الظن أو هما معا يسيطران على كل مستويات العلاقات ، الشخصية والدولية ، في المؤسسات الصغيرة ، وفي أكبر التجمعات الدولية ،وحتى الأمم المتحدة ومجلس الأمن .
•         في بلاد العرب الأجاويد الحاكم يخاف من شعبه فلا يتحرك إلا إذا  أُخْلِيت الشوراع من المارة ، واعتلت فرقة القناصة من حرسه أسطح البنايات، وأمرت بإغلاق كل النوافذ المفتوحة على الطريق كلما ذهب صاحبنا أو عاد.
•        الحاكم لديه إحساس قوى بالتربص يؤرق ليله ويقض مضاجعه ،فهو يخاف وهو بين حرسه ، ويشكل من الحرس حرسا على الحرس ، ويجند من الحرس من يتجسس على الحرس ليعرف اتجاهاتهم وانتماءاتهم رغم أنه قد أجرى كل التحريات وبحث بكل أنواع التقصى حولهم وحول أسرهم وأصدقائهم حتى الجد السابع عشر ، ولم يسمح له بالاقتراب من القصر إلا بعد كل التحريات عن أصله وعن فصله، فما السبب في سوء الظن وسوء النية ؟
•        والحاكم في بلاد الفرنجة  كما يسمونها ، والديموقراطية جدا  كما يصفونها  تعلم من جماعتنا في العالم الثالث،  فهو يتخذ من الإرهاب سبوبة ، فكلما استشعر  أزمة سياسية  تنقص من شعبيته لجأ  إلى تخويف الناس  من شبح الإرهاب ،وقدم نفسه بأنه يحمى البلد ، وصور نظامه بالحريص على أمن المجتمع وحماية المواطنين،وطبعا مصادر التطرف والإرهاب معروفة، وأصبحت ماركة مسجلة عالميا ومحجوزة للملسلمين وحدهم،  ومن ثم فالشماعة التى يجلب أن تُعَلَّق عليها كل أنواع الأخطاء والتقصير وربما الخطايا أيضا هو  الإسلام ورموزه وأتباعه ،وانتقلت حكاية تطوير الخطاب الدينى من بلادنا لتلاحقنا في بلاد المهجر أيضا مع بعض الإضافات التى تناسب السادة الخواجات ليصبح مزيدا من تغيير الخطاب الديني ومراجعة النصوص المقدسة حتى تتعايش مع المجتمعات المعاصرة !!!! هكذا !!!
•        وبرغم أن علماء الدين الإسلامي بالذات  قد بُحّتْ حناجرهم وملوا وأصيب الناس أيضا بالملل من كثرة إدانتهم للإرهاب وحديثهم عن شجبه واستنكاره وتحذير الناس منه وتخويف الشباب من خطره حتى أصبحوا متهمين من بعض فئات المجتمع بأنهم رجال الحكومة ،وربما فقد بعضهم مصداقيته من كثرة  تكراره لهذه الاسطوانة المشروخة ، إلا أن الحاكم في الغرب أيضا وجد في سلوك حكامنا وثقافتهم وفلسفتهم ما يدعوه ليجعل من الإسلام مصدرا للقلق والخوف وينمى الإسلاموفوبيا لدى الناس، ويريد أن يضحي بعلماء الإسلام ليجعل منهم كبش فداء لأخطائه وتصريحاته غير المسؤولة ، فيصورهم بالمقصرين في أداء دورهم ويطالبهم بالمزيد من الهتاف والصراخ ضد الإرهاب حتى أصبحت الصورة ؛كاريكاتورية؛  تدعو إلى السخرية أكثر منها حوارا علميا يناقش ظاهرة خطيرة تهدد المسلمين بالدرجة الأولى قبل غيرهم ممن يتاجرون بدعوى محاربة التطرف .
•        والغريب أن آكبر المتضررين من الإرهاب هي البلاد العربية والإسلامية وشعوبها قبل غيرهم، لكن لا أحد يضع هذه الحقائق في اعتباره، ويصر البعض على أن المسلمين يجب عليهم أن يتحملوا المسؤولية عن هذا الجنون الذى يحدث من بعض الفئات ،
•        ألأكثر غرابة أن منظمات أخرى غير مسلمة تمارس نفس الفعل المجرم ضد المسلمين في الروهينجا وإفريقيا الوسطى وبورما، وهناك جيش يمارس القتل في إفريقيا يسمى جيش الرب، بالإضافة إلى ما يشكله اليمين المتطرف في الغرب من تنظيمات ومؤسسات تدعو إلى الكراهية وطرد المسلمين ، وكل هذه الممارسات لا أحد يتوجه إليها بلوم ولا أحد يصفها بالإرهاب لا في عالمنا العربي والإسلامي ولا في العالم الغربي......فلماذا  ؟
•        وهل وصف الإرهاب مفصل تفصيلا وبالمقاس للمسلمين وحدهم ومحصورا حصرا ومجوزا حجزا بحيث يصبح قاصرا عليهم وحدهم ولا يطلق على من سواهم مهما فعلوا ؟
•        جماهير المسلمين في مجتمع المهجر  تستشعر الغبن والظلم والاستهداف من قيادات تستغل مواقعها وحصانتها في النيل منهم ومحاولة عزلهم وإثارة بقية المجتمع ضدهم وتصويرهم بأنهم خطر على من يعيشون معهم،وتلك مقدمة لزيادة العنصرية والكراهية وتقسيم المجتمع وإحداث الفتن والصراعات بين فئاته وطوائفه .
•        وإذا كنا نحرص على أمن الوطن وأمن مواطنيه حقيقة،  فإن الحريات هي أقوى الضمانات في هذا الأمر ، كما أن تماسك المجتمع ووحدة نسيجه بكل مكوناتها والتى تمثلها التعددية الثقافية والحضارية والدينية هي أعظم الوسائل في حماية الأمن  المجتمعي  وطنا وسكانا.
•        والدعوات التى تحرض فئات المجتمع ضد بعضها وتستهدف طائفة بعينها بسبب دينها تشكل إقصاء وخطرا حقيقيا يهدد المجتمع  بالانقسام،  ولا يخدم قضايا الأمن والاستقرار التى يتاجر بها البعض ويتخذها ستارا يدارى بها إخفاقه وسياساته التى أضرت بحقوق الناس في الداخل وتضر بمصالح الوطن في الخارج. 
•        ونعود للسؤال مالسبب في الخوف السائد بين الجميع ؟
•     هل هو غياب العدالة وإحساس الحاكم بالطوائف المظلومة والمحرومة من أبناء شعبه ؟
•     هل هو ظلم الولاة والحاشية  حول الحاكم كما هو الحال في العالم الثالث  ..؟
•        هل هى أسرة الحاكم نفسه حين تستأثر بكل خيرات البلاد وكأنها إقطاعية خاصة بهم وليست وطنا للجميع ؟
•        هل هو إحساس الكادحين حين يطفح في كلمات مكبوتة وممارسات تتسم باللا مبالاة تنقلها العيون للحاكم فتثير قلقه ؟
•        هل السبب في تبعية الحاكم للقوى الكبرى باعتبارها سندا له وحامية لنظامه أمام تمرد شعبه وغضبهم منه وغضبهم عليه ؟
•        هل هو انبطاح القيادات أمام أبناء العم سام بصلفهم وغرورهم وإمعانهم في إذلال الأهل والوطن والهوية والتاريخ ….؟
•        بالقطع ستختلف الأسباب في عالمنا العربي عنها في مجتمع المهجر ، غير أن العيش في ظل القهر والاستبداد زمنا طويلا أحدث في نفسية عدد كبير من المهاجرين العرب مسلمين وغير مسلمين نوعا من العاهات الفكرية والثقافية تعكس حالة من الانكسار النفسي والشعور بالمهانة والضعضة والدونية وقلة القيمة ، نلحظ ذلك من خلال متابعة برامج الحوار المباشر هنا في بعض الإذاعات والتى تشترك فيها الجاليات العربية والمسلمة،  فتؤلمك  حالة المذلة التى تنضح في الكلمات وهم يتحدثون عن أبسط الحقوق المقررة لأي كائن يعيش هنا في مجتمع المهجر ولو كان غير "إنسان"
•        تبدو هذه الصورة المؤلمة للغاية في طريقة الألفاظ التى يعبرون بها عن حالتهم حين كانوا في بلادهم وقبل أن يهاجروا ، وبين حالتهم هنا حين حصلوا على حقوقهم العادية
•         هذا الشعور المهين ربما يعكس حجم الخراب النفسي الذى حل بالمواطن في بلاد العرب والمسلمين ويطرح السؤال الأصعب :من المسؤول عن هذا. ؟
•         وكم من الزمن استغرق هذا التدمير النفسي ؟  وكيف نوقف نزيفه الذى يسلب من الإنسان أعز ما يملك وأعلى وأغلى ما لديه وهو الكرامة البشرية ؟
•        وهل طرحت هذه الظاهرة المخيفة ،بل المرعبة في مراكز البحث الاجتماعي بين المتخصصين ؟ وهل هناك تفكير جاد في طرق المعالجة ؟
•        وهل يمكن لوطن هذه حالة أبنائه أن ينتصر على التحديات التى تواجهه ومنها الإرهاب بالقطع...؟
•        عفريت الإرهاب في عالمنا العربي  ليس ككل العفاريت ، فسره باتع ، وكلمته نافذة  ومسموعة عند أمنا "الغولة" "ومولانا الوالى المعظم" ، وهو عفريت  يضرب في عمق الإنسان فيشل الحركة والفكرة ،ويفقد المرء توازنه .
•         وأخوه الأصغر وهو "التطرف"  ينتقل بسرعة فلا يعمل عندنا فقط ، ولم تعد أسرار ومبادئ وحكمة أبيهم إبليس قاصرة على التأثير بين مولانا الحاكم وشعبه في بلادنا وحدها ، وإنما بدأ في استثمار بذور الكراهية لدى الآخرين من غير المسلمين ، وأدخل عليها تعديلات ثم أعاد تصديرها كنسخة جديدة من العفرتة إلى الآخرين حتى انتقلت لتصبح ظاهرة أممية ،  فظهر في الجانب الآخر وعلى مستوى العلاقات بين الشعوب ظواهر الكراهية، والكراهية المضادة ،والعنف والعنف المضاد.وقررت الحكومات حماية لنفسها أن تضرب الإرهاب في أي مكان وفي كل مكان ، وهذا حقها، لكن رد الفعل أن الإرهاب قرر هو الآخر أن يضرب في أي مكان وفي كل مكان، فانتقل من ظاهرة إلى أيديولوجية،  ومن جماعات منظمة يمكن مراقبتها ومتابعة نشاطها إلى خلايا فردية يصعب على أكثر الأجهزة تقدما متابعتها ومعرفة النوايا ؛ وهكذا يطفح الشر وتتكرر أخطاء المعالجة  لتسود  في العالم كله حالة من الخوف والقلق وسوء النية ، ويصحو البشر كل يوم على أخبار الخطف والقتل والانفجارات وتصبح الدنيا على كف عفريت مجنون يمكن بنزقه وغروره أن يدمر كل شئ.
•         فهل يستطيع أحد أن يخبرنا مَنْ صنع هذا العفريت المجنون ومَنْ وراءه ؟
    ومَنْ المستفيد مِنْ وجوده وانتشاره ؟..... أفيدونا أفادكم الله . 

                                  المفتى العام للقارة الأسترالية