أحمد القاعود:
باحث وصحفي مصري


كيف وصلت مصر إلى هذا الحد من احتقار الحياة وكراهية الانسانية؟!! بعد مسلسلات القتل اليومي على الهوية السياسية الذي تنتهجه سلطة 30 يونيو الارهابية، لازالت مصر تدخل وبسرعة إلى نفق طويل ومظلم، يصمم عبدالفتاح السيسي أن يكون كارثيا ومروعا. عشرات من مشجعي كرة القدم قضوا، دون سبب أو مبرر الا لأن النظام وألته القمعية قرروا قتل الشباب، انتقاما للقوة الأساسية التى قامت بثورة يناير، المغدورة فى 30يونيو.


كل الدلائل والشواهد فى صفحة الحوادث الكبيرة، المسماة مصر، تؤكد أن المشرحة تتسع يوما عن أخر، فى مشهد مروع للقتل، أعاده عسكريون فشلة تحالفوا مع تيارات وقوي سياسية، اعتقدت أن السياسية ماخور، لا يصلح فيه الا العهر والقوادة.


فجأة وبدون سابق انذار تحول أولئك المتباكون فى مشاهد مصطنعة، على حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، وأعطوا دروسا مزيفة فى الانسانية، أيدوا وبرروا المقتلة التى يديرها الداعشي الأكبر عبدالفتاح السيسي فى مصر. المشاهدون أنفسهم لقنوات دعاية النظام، تعجبوا من وقاحة وصلف أولئك المرتزقة الذين كانوا يبكون بالأمس على طيار ليس من بني جلدتهم، بينما رقصوا وهاجموا عشرات الضحايا من شباب وطنهم.


صفحة الحوادث الممتدة بفعل مجرمي نظام وحشي مستمر منذ انقلاب يوليو 1952، تتراكم أخبارها يوميا، فلا القارئ بات قادرا على الاستيعاب واكمال القراءة، ولا المحلل قادر على الرقابة والمتابعة، فكل ماهنالك مقتلة تقودها سلطة هوجاء تتصرف برعونة وبلا عقل أكثر من أي وقت مضى.


الأكثر وجعا فى حادث مقتل مشجعي كرة، لا علاقة لهم بالسياسة، ولا بالشأن العام الدائر، أنهم، وكثير منهم التقطت له صور وهو يؤيد قائد الانقلاب الدموي، سرعان ماباعتهم وتخلت عنهم أبواق السلطة، فتارة هم ارهابيون من أنصار حازم صلاح أبواسماعيل واخري، ليسوا شهداء، لأنهم همج بلا أخلاق أرادوا حضور مباراة كرة قدم بدون تذاكر، وفى مصر اذا لم تكن معك تذكرة بعدة جنيهات فان القتل جزاءك، واذا كنت طفلا سرقت خمسة أرغفة خبز بجنيه، فان جزائك السجن عاما ، وهى واقعة حقيقية حدثت قبل شهور قليلة فى مصر، فى صعيد مصر.


تحول الواقع المصري ليوميات انحطاط وكئابة، شئ مفزع، الأكثر منه فزعا هو استمرار الفعل واستغلال قطاع، رغم أنه ينفض شيئا فشيئا من حول هذه السلطة، الا أنه لازال يصدق رواياتها كما تقال حتى ولو كانت ضد العقل والمنطق.


السلطة المحاصرة فى مصر بعد فضيحة التسريبات المتتالية لقائد الانقلاب ورفاقه، تغرق يوما عن أخر فى وحل الجرائم ومستنقع البؤس الذى أرادته للمصريين، مذبحة كبرى لمشجعي نادي الزمالك، كانت مطلوبة للتغطية على فضيحة قد تبعد الكفيل الخليجي عن عامله المصري، بعد أن اتضحت خسة ودناءة التفكير، وخيانة الكفيل بعد خيانة الرئيس.


ولما كان الانقلاب يعول كثيرا على مؤتمر اقتصادي، لبيع مصر، الشهر المقبل، فان كل ذلك بات مهددا بالضياع، إذ لا أمل فى أفق سلطة هشة لم تنجز فى مدة قاربت العامين، أي شئ يذكر، سوي سجل حافل بالجرائم، وأرشيف متخم بالفظائع.
العالم الآن بات يدرك مخاطر دعم مثل هذه السلطة، فالتسريب الذي أهينت فيه دول الخليج الكفيلة والراعية للانقلاب، مؤكد بالفعل أنه سيؤثر حتى وان لم يبدو ذلك جليا أو مرئيا، وحتى لو اعتذر السيسي لملك السعودية وأمير الكويت، فكل الردود التى جاءت من حكام هذه الدول بأن هناك التزام من قبلهم تجاه دعم مصر، ليس سوي كلام ديبلوماسي يقال فى كل المحافل.


 وبصورة عامة، ليس فى الامكان أبدع مما كان، فالحكم السعودي الجديد لن يكون على مستوى التأييد والدعم لنظام الانقلاب فى مصر، كما كان فى عهد الملك الراحل، فاما أن يظل كما هو أو يقل أو يتغير تماما، واحتمال أن يظل كما هو، فان استبعادها كفرضية، أمر مبرر، بسبب تغير الظروف وسيطة الحوثيين على اليمن، وفشل الانقلاب حتى الآن فى أي انجاز بينما تتزايد حدة الفعل الثوري ضده فى الشارع المصري.


اللافت للنظر أن هناك دور مصري فى دعم الانقلاب الحوثي على اليمن، وبتتبع خيط رفيع، مفاده أن السفير المصري فى اليمن استقبل وفدا حوثيا لبحث الوضع اليمني والتعرف عليه. خبر كهذا لن يمر مرور الكرام من دول الخليج، فهذه الدول نفسها التى دعمت وبقوة الانقلاب الحوثي، الشيعي، على الثورة اليمينة، بدأت تستشعر مخاطره، وستلتفت بالتأكيد لمحاولات عاملها الضعيف فى مصر، محاولة لعب دور فى جنوب شبه الجزيرة العربية، مثل دوره الاجرامي فى ليبيا والانقلاب على ثورتها.