بقلم : محمد منصور
 
ورد في الأثر أن صحابياً جاء إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: ( إني أكره الليل يا رسول الله )، فقال: لِمَ ؟! ؛ قال : ( لأنه يفرق بيننا وبينك يا رسول الله ).
كلمات تسيل رقة و تقطر حلاوة ؛ كونها تنم عن عاطفة جياشة ؛ تلمس الوجدان المؤمن ، و تحرك المشاعر ، و تسمعها قلوب محبي رسول الله.
فذلكم الصحابي ـ رضي الله عنه ـ لا يكره الليل لذاته ؛ لعلمه أنه نعمة و آية من آيات الله ؛ لكنه شعور الحب الدافق الذي استبد به ، بعدما لازم حبيبه رسول الله سحابة نهاره ، و بات ليله يعلل نفسه و قلبه بلقياه.
جمالك أيها القلب القريح *** ستلقي مَنْ تحب فتستريح
ولا غرو فهذا بلال بن رباح ( رضي الله عنه ) يعاني الموت وسكراته، و زوجه بجانبه تتألم له : ( وا كرب بلال ... وا كرب بلال )، فيجيبها باسما مطمئنا : ( لا يا أمة الله، بل قولي : وا فرح بلال .... وا فرح بلال ؛ اليوم ألقى الأحبة : محمداً و حزبه ).
عجيب هذا الحب؛ فما سره؟ و كيف استحوذ على القلوب هذا الاستحواذ.
و ما العجب فهو الرحمة المهداة و أكثر و أفضل مَنْ جاهد و كافح و صبر و عاني و قاسى و بكى من أجل الناس ؛ رحمة بهم ؛ ليأخذ بيدهم إلى الله ؛ ألم تسمعوه داعياً في أحرج أوقات البلاء يوم أُحد يقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
فأكرمه الله و جعله الطريق الأولى لحبه : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم و الله غفور رحيم ). آل عمران/31
بل إنه مَنْ أطاع الرسول فقد أطاع الله : ( مَنْ يطع الرسول فقد أطاع الله و مَنْ تولى فماأرسلناك عليهم حفيظاً ). النساء/80
كما أن إتباعه طريق لرحمة الله سبحانه : ( ورحمتي وسعت كل شيء ، فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة و الذين هم بآياتنا يؤمنون ؛ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة و الإنجيل يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث و يضع عنه إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم ؛ فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون). الأعراف156/155
ذلك أنه أحد أضلاع مثلث حلاوة الإيمان ؛ كما أخبرنا حبيبنا رسول الله : ( ثلاث مَنْ كُنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواهما ، و أن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود للكفر كما يكره أن يقذف في النار ).
و إن أولى خطواتنا على طريق هذا الحب، أن نحسن قراءة سيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ والاقتداء به؛ فقد حرص الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ علي غرس حبه في قلوبهم و قلوب أبنائهم و ذلك عن طريق السيرة العطرة و المغازي النبوية المباركة ، و دليل هذا أن سعد ابن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كنا نعلم أولادنا مغازي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما نعلمهم السورة من القرآن ).
وعن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنهما ـ قال : كان أبي يعلمنا المغازي و السرايا ويقول : يا بنيّ إنها شرف آبائكم فلا تضيعوا ذكرها .
لماذا أيها الأحباب ؟
( لعلمهم بأن المحب مولع بتقليد المحبوب و الله تعالي أرسل إلينا حبيبنا محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكي ينتشلنا من دياجير الظلام إلي نور الإسلام وأمرنا بحبه و الاقتداء به وإذا أحببناه أحببنا أعماله التي أضاءت قلوبنا؛ فها هو متواضعا خافض الجناح للمؤمنين، صادقا، موفيا بالعهد، محبا للفقراء، أمينا، متسامحا، حليما، و منفقا في سبيل الله، و تلك الفضائل يجب أن نتحلى بها لأنها تمثلت في محبوبنا و من ثَمَّ يجب أن نترجمها واقعا من خلال سلوكنا الظاهري، نابعا من حبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ). (1)
من أجل ذلك قال الواقدي رحمه الله: سمعت محمد بن عبد الله يقول : سمعت عمي الزهري يقول : ( في علم المغازي علم الآخرة و الدنيا ) . (2)
و ثاني خطواتنا على هذه الطريق حمل مشروعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما وصانا: ( قل هذه سبيلي أدعو إلي الله علي بصيرة أنا و من اتبعني وسبحان الله و ما أنا من المشركين ) يوسف/108
لأن السيرة النبوية كما قال الشيخ محمد الغزالي: ( إنها قصة ولكنها قصة كفاح دين ) .
كما عرفها الداعية م. محمد العصار، فك الله أسره و إخوانه : ( السيرة النبوية هي المشروع الرباني الذي نفذه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ و أشرف عليه رب العزة، وبدأ بفرد و انتهي بأمة وجاء في أسوأ ظروف للعالم وبأقل إمكانيات للداعية و أنت ـ أيها المسلم ـ مطالب أن تعيد هذا المشروع في عصرك ).
وإن الصحابة ـ رضوان الله عليهم - ليسوا عبارة عن معجبين بالرسول وفقط ؛ بل كانوا رجالا حاربوا لحمل هذا الدين .
و أجدر بنا أن نحمل ما حملوا عسي أن نرزق ما رزقوا؛ و لينظر كل منا كم يعرف عن رسول الله ؟ و كم حظه من الاقتداء به في أخلاقه و عبادته وحمل دينه؟
فهذه دعوة لحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتكليف لأتباع رسول الله في حمل رسالته.
وأجمل منك لم تر قط عيني *** وأجمل منك لم تلد النساءُ
خُلقت مُبرأً مـــن كل عيـبٍ *** كـأنك قد خُلقت كما تشــاءُ
فنسأل الله العظيم أن نكون من أحبابه وأتباعه و العاملين بسنته ومنهاجه و رافعي لوائه حتى نلقاه علي الحوض؛ فنشرب من يده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من أساليب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في التربية / نجيب خالد العامر
(2) البداية و النهاية / ابن كثير