عبدالعزيز مجاور

حرك الفيديو الصادم لما يسمى بأنصار بيت المقدس أو الفرع الجديد  لداعش الماء الراكد، والذي يصور اهتراء القوات المسلحة وضعفها، وأعاد إلى الأذهان انهيار بعض الجيوش العربية خلال ساعات كما حدث في بغداد وصنعاء، وأظهر الفشل المخابراتي من وجهتين متعارضتين بل متناقضتين فالذي يرى أن كثير من التفجيرات في سيناء وغيرها تقف ورائها المخابرات المصرية أصابه الذهول وبدأ يشكك في وجهة نظره ويؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الإرهاب حقيقي وان المخابرات عجزت عن توقعه، ومن صدق وجهة النظر بأن كل ما يحدث وراءه الإرهاب المحتمل الذي تحول إلى ارهاب حقيقي ويقف له بالمرصاد خير أجناد الأرض وخير مخابراتها فتلقف الفيديو بخيبة أمل كبيرة في كليهما مع هروب الدبابة من أمام شخص يملك سلاحاً خفيفاً.

وبدلاً من قيام المتحدث العسكري بالرد على هذا الفيديو الذي ينكل فيه بجنوده وتهرب دباباته قام بعرض فيديو أقل جودة يظهر فيه قتل الجنود لمدنيين عزل وفي ميدان مختلف عن سيناء وهو الصحراء الغربية، رافق ذلك فيديو الأم التي تعترف دون أن تقصد بجريمة العسكر ضد المدنيين وهي تقول إن ابنها كان يقتل ويحرق الارهابيين من حماس والإخوان وكان يرتدي الترنج، وفي ذلك جريمتين جريمة القتل والحرق للابرياء ثم جريمة تخفي الجنود في ذي مدني حتى تنسب قضايا القتل والحرق للمدنيين والارهابيين، لننتقل بذلك من حرب الميادين إلى حرب الفيديوهات والفيديوهات المضادة.

وفي وسط هذا الصخب الذي غطى على فضيحة الهجوم المزعوم من (البلنصات) على اللنش الحربي في وسط البحر فأصاب خمسة عسكريين وتم فقد ثمانية آخرين في روايات متضاربة لم تجد لها مخرجاً بارعاً، والذي تم القبض فيها على 35 من الإرهابيين كما زعموا في بطولة نادرة وما لبث أن ظهر أنهم صيادين لا حول لهم ولا قوة فتم الإفراج عنهم لاحقاً، فتوارى حادث اللنش مع معركة الفيديوهات.

وأياً كانت درجة مصداقية أو كذب فيديو قتل الجنود فهناك نقاط جديرة بالاهتمام، أولها أن صمت المتحدث العسكري عن ذلك الحدث الجلل في الوقت الذي لا تتوقف بياناته وتصريحاته يشير إلى أنهم راضين عن تأثير الفيديو وإنه يحقق المطلوب، حتى لو أظهر الجيش بمظهر فاقد الجاهزية فقد تكلم فيه الكثيرون من قبل وأصبح معلوماً من الانقلاب بالضرورة، وهذا الفيديو لن يزيد الأمر سوءً، أو يقدم جديداً فالكل يعلم أن الجيش المصري لم يصد هجوماً واحداً منذ يناير 2011 وحتى اللحظة التي تقرأ فيها هذه الكلمات وأكثر طلعات الطيران الحربي كانت لقتل المدنيين أو نقل الموتى والمصابين من الوادي الجديد إلى سيناء مروراً بالعلمين والساحل الشمالي.

ثاني هذه النقاط هو أن نظام الانقلاب منذ خمسة عشرة شهراً ينادي في كل المحافل أن مصر في حرب مقدسة ضد الإرهاب ولا مجيب ولا مصدق سوى الداعمين له من أصحاب القوائم الجاهزة للإرهابيين المحتملين، فلما كان اهتمام العالم بداعش فكان الحل فتح فرع جديد لها بمصر لعل ذلك يجدي نفعاً في معركة العسكر من أجل البقاء، فكانت البيعة للبغدادي، وكان فيديو قتل الجنود بصورة درامية كافية من وجهة نظرهم كطوق نجاة في هذا الموج الهائل.

كما أن الوحيد الذي يحكم على صحة هذا الفيديو والفيديوهات المتوقع صدورها لاحقاً، والتي لا يستبعد الكاتب أن تحمل مناظرلذبح الجنود أو غيرهم، هم فقط من يسيطرون على الأرض ويملكون فيها الكاميرا والإعلام وهم العسكر، ولا يستطيع غيرهم أن يؤكد مدى دقة المكان أكان كميناً أم غير ذلك.

والسؤال المطروح هل نحتاج لفيديو بعدما أعلن الجيش المصري سابقاً عنالقتلى؟ وهل الفيديو هو الذي يثبت صحة وجود تنظيمات إرهابية؟ من المؤكد أن الفيديوهات مجالاً للتشكيك والتصديق أما المستفيد من تلك الفيديوهات فهي سلطة الانقلاب في المقام الأول.

كل ما سبق ليس تشكيكاً أو تصديقاً للفيديو المتداول، كما أنه لا ينكر وجود جماعات إرهابية تكونت وستزداد بفعل ما يحدث من القتل والقهر والاستبداد لشعب مصر منذ الثالث من يوليو 2013، فعلينا أن نتوقف عن حرب الفيديوهات لمحاربة الاستبداد الذي يمر بمراحله الأخيرة فلا نعطيه قبلة الحياة.