بقلم / صادق أمين
 
نعم نريد _ نحن الإخوان المسلمين _ أن نستطعم مذاق الحرية التي نشتهيها؛ و لذا دفعنا بأحب و أعز و أغلى ما نملك ليدفعوا عنها غاصبوها؛ رغم علمنا أن المعارك الضخمة يكون القطاف الأول فيها من هذه الصفوة الممتازة.
 
و مع هذا لا يزال هدفنا لا نقصره على كسر الانقلاب و حسب، و إنما أن نعيد في خضم هذا الحدث بناء الإنسان المصري الذي غرس فيه العسكر طيلة 60 سنة طباع العبيد : استخذاءاً تحت سوط الجلاد ، و تمرداً حين يرفع عنه السوط ، و تبطراً حين يتاح له شيء من النعمة و القوة.
 
ذلك لعلمنا أن هذا الشعب ما خلق ليأكل و يشرب و كفى؛ و إنما مناط به أهداف عظيمة كلفه بها دينه ، و ما كانت هذه التجربة إلا تربية له و إعداداً؛ لإيقاظ القوى المذخورة في كيانه، إذ إنها التجربة التي سيتعرض لمثلها طويلا ما إن يخطو أولى خطواته لخدمة الإسلام. 
 
فها هم بنو اسرائيل _ و الكلام لسيد قطب رحمه الله _ " كانوا بين الصحراء بجدبها و صخورها و السماء بشواظها و رجومها؛ فأما الحجر فقد أنبع الله لهم منه الماء ، و أما السماء فأنزل لهم منها المن و السلوى : عسلاً و طيراً .. و لكن البنية النفسية المفككة و الجبلة الهابطة المتداعية أبت على القوم أن يرتفعوا إلى مستوى الغاية التي من أجلها أُخرجوا من مصر و من أجلها ضربوا في الصحراء .. لقد أخرجهم الله _ على يد نبيهم موسى عليه السلام _ من الذل و الهوان ليورثهم الأرض المقدسة و ليرفعهم من المهانة و الضعة .. و للحرية ثمن و للعزة تكاليف و للأمانة الكبرى التي ناطهم الله بها فدية .. و لكنهم لا يريدون أن يؤدوا الثمن و لا يريدون أن ينهضوا بالتكاليف ، و لا يريدون أن يدفعوا الفدية حتى بأن يتركوا مألوف حياتهم الرتيبة الهينة ، حتى بأن يغيروا مألوف طعامهم و شرابهم ، و أن يكيفوا أنفسهم بظروف حياتهم الجديدة .. إنهم يريدون الأطعمة المنوعة التي ألفوها في مصر يريدون العدس و الثوم و البصل و القثاء .. و ما إليها!
و هذا ما يذكرهم به القرآن و هم يدّعون في المدينة دعاواهم العريضة ( و إذ قلتم يا موسى : لن نصبر على طعام واحد؛ فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها و قثائها و فومها و عدسها و بصلها )
 
و لقد تلقى موسى عليه السلام طلبهم بالاستنكار : ( أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ؟! )
أتريدون الدنية و قد أراد الله لكم الغلبة ؟
( اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم )
إما بمعنى أن ما يطلبونه هين زهيد لا يستحق الدعاء ؛ فهو موفور في أي مصر من الأمصار ؛ فاهبطوا أية مدينة ؛ فإنكم واجدوه فيها .. و إما بمعنى عودوا _ إذن _ إلى مصر التي أُخرجتم منها .. عودوا إلى حياتكم الدارجة .. إلى حياتكم الخانعة الذليلة .. حيث تجدون العدس و الثوم و البصل و القثاء ! .. و دعوا الأمور التي نُدبتم لها .. و يكون هذا من موسى _ عليه السلام _ تأنيباً لهم و توبيخاً".
 
لذا_ يا سادة _ في سبيل الله قمنا ، و لأجلكم كان  _ و لا يزال _ الأخ منا المجاهد الطيب الصابر الذي يملأ الميادين بكفاحه دون أن يرجو الثناء على ما يبذله في سبيل الله ، دعاؤه السرمدي " اللهم خذ من دمائنا ما شئت حتى ترضى " ؛ فهل أنتم مشاركون ؟؟؟؟
 و صدق من قال :
كيف النجاح ؟ و أنتم لا إنفاق لكم *** و العُود ليس له صوتٌ بلا وترِ