حازم سعيد :

حينما سمعت بخبر وفاة العظيم الراحل الأستاذ لاشين أبو شنب عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين ، وأحد الرعيل الأول بالجماعة - رحمه الله - ، انتابتني نوبة بكاء هستيري لم تحدث لي إلا عندما توفي أبي رحمه الله .

ولا أظن أحداً من الإخوان إلا حدث معه مثل ما حدث لي ، خاصة ممن عايشه أوقاتاً من عمره ، ورافقه وتتلمذ على يديه آونة من الزمان .

 

راحل عظيم

مهما كتب الكتاب عن الحاج لاشين أبو شنب فلن يوفوه قدره ولا مقامه .. الحاج لاشين رجل كنا نتقي به بعد الله سبحانه عند المكاره والشدائد ..
إذا أردت الفروسية فالحاج لاشين هو الفارس .. وإذا تكلمت عن الشجاعة فالحاج لاشين هو الشجاعة وهو الإقدام كله .. إذا أردت المثابرة فقل لاشين أبو شنب ، كنت أراه فأتذكر أمير المؤمنين عمر أو أسد الله حمزة أو سيف الله خالد ، ولا ريب فهو سليل مدرستهم العريقة في الفروسية والإقدام والشجاعة والجرأة في الحق والعناد فيه والبذل من النفس والمال والجهد في مقابل نصرة دين الله سبحانه وتأييد الدعوة إليه .
سافر ذات مرة لموعد بلغ به بالخطأ إلى القاهرة وهو المصاب بشلل نصفي .. فإذا به يعلم أن الموعد بالإسكندرية فيسافر للإسكندرية ليلحق بالموعد ، ثم يعود بالليل ليعلم أن والد أحد الإخوان توفي في أحد قرى زفتى على بعد حوالي خمسين كيلو من طنطا ليذهب ليقدم واجب العزاء ثم يعود لمنزله في طنطا   .
لم يعلم الإخوان فرحاً أو عزاءاً لأحد منهم إلا والأستاذ لاشين حاضر مشارك أياً كان موقعه التنظيمي أو مكانه من القيادة ، فالحاج لاشين يتحدث بأسلوب واحد فقط هو " الأخوة في الله " .

لم يعلم الإخوان موطناً من مواطن كلمة الحق والصدع بها إلا ووجدوا الأستاذ لاشين فيه ، وهو الشيخ القعيد يذهب مجاهداً للتحرير ويشارك في كل المشاهد التي عايشتها ثورة 25 يناير ، ولا يصده عن ذلك مرض أو خوف ، فكيف يهاب الفارس المغوار شيئاً من مخافات الدنيا .

كان الحاج لاشين خطيباً بارعاً ، ومتحدثاً مفوهاً ، أوتي من البلاغة أقصاها ، حينما تجلس تستمع إليه تعجب من كثرة المترادفات اللغوية التي يحسنها ، ويخلب بها لبك ، وكأنه قد استحوذ على اللغة العربية بكل جوانبها ومسالكها وأوديتها .

وكان قوياً في الحق ، يحسبه الناس شديداً ، يهاب بعضهم مخالطته لأنه لا يسكت عن الخطأ ويعاتب للحق وبالحق ( مع أنه لم يكن يعاتب بالزجر والقوة إلا من يحبه ويصطفيه )، فإذا ما عاشرته وحكيت له عن مشكلة من مشكلاتك الحياتية إذا به الأب الحاني والناصح الرفيق والطبيب المداوي ، وإذا بك تكتشف أحد أهم جوانب الشخصية والتي يعرفها كل من عايشه واختلط به .. الإنسان الرقيق الرفيق الحاني .

 

توريث دعوة الإخوان المسلمين

كان أهم ما لفت نظري - في السنوات التي عشتها في طنطا ، بجوار الحاج لاشين - هو حرصه الشديد على توريث الدعوة  ، واهتمامه الصريح والواضح بأن يجالس من هم في حاجة إلى العلم والسماع ، أكثر من مجالسة القيادات والوجاء ، ولو خيرت الحاج لاشين بين لقاء مع كبراء القوم أو بين لقاء مع شباب يريدون أن يتعلموا دعوة الإخوان المسلمين لاختار دون تردد مجالسة الشباب .

وكان يكثر في حديثه من التنبيه على ضرورة وراثة الدعوة ، وأن تستمع الأذن الواعية لنقل الدعوة إلى الأجيال التالية ، لقد كان يتحدث بما كان يهتم به ، وقد كانت همته نشر ونقل دعوة الإخوان المسلمين النقية الصافية جيلاً من بعد جيل .

كان الحاج لاشين يعتب كثيراً على مسئولي العمل الإخوان بالمناطق والشعب لقلة اهتمامهم - أحياناً - ببعض المسائل التي يراها ضرورة وفريضة في دعوتنا .. هل تدرون ما هي ؟

إنها ما أطلق عليه العبادات الاجتماعية ، مشاركة الإخوان بعضهم لبعض في الأفراح والأتراح وتكافلهم في ذلك ورعايتهم حقوق التآخي في الله والاهتمام بأمر بعضنا البعض .

ولا يكتفي بأن يكون ذلك قاصراً على الإخوان بعضهم مع بعض ، وإنما كان يندبهم ندباً ويحثهم حثاً لأن يتشاركوا بهذه العبادة مع كل المجتمع ، فهذا صلب رسالة الإخوان المسلمين وما تحتويه من معاني الرحمة والمودة .

وكما قدمت .. مهما كتب الكتاب عن الحاج لاشين فلن يوفوه قدره ولا مكانته ولا منزلته ، لقد كان فارساً مجاهداً من فرسان الحق والدعوة ، عاش مجاهداً لآخر لحظات حياته ، وما أكثر ما خلف من تلاميذ وورثة يحملون دعوته ورسالته ، جعل الله ذلك في ميزانك أيها الرجل الشهم الحر الكريم ، ورزقك بما أنفقت من وقتك ومالك وجهدك ونفسك في سبيل الله الرفعة والقرار في الفردوس الأعلى من الجنة في رفقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .. اللهم آمين .. اللهم آمين .

جراح الأخوان وأحزانهم

تدبرت فيما حدث مع الإخوان خلال هذه السنة منذ الانقلاب وحتى وقتنا هذا ، من سجن واعتقال ومطاردة وتغريب وقتل وشهداء ، ووفيات لصالحين وعلماء ومورثين بهذه الدعوة المباركة ، ورأيت الأمر على وجهين .

أما الوجه الأول : فلله در الإخوان ، حيث ما أشد ما قاسى وعانى الإخوان ، وكم تعبت قلوبهم وأدميت ، وكم ابتلوا ببلاءات لا يقدر عليها إلا الصالحون مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أشد الناس بلاءاً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على قدر دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء " ، ما كان لأحد من البشر أو التجمعات أو الهيئات أن يصمدوا أمام ما ابتلي به الإخوان خلال السنة الماضية كما صمد الإخوان ، لولا فضل الله وكرمه وتثبيته للإخوان .

فاللهم ارحم الإخوان وأزواج الإخوان وأبناء الإخوان وأنصار الإخوان وأحباب الإخوان، اللهم اقبل شهداءهم ، واشف مرضاهم ، وداو جرحاهم ، ورد غائبهم وفك سجينهم ومعتقلهم ، وآمنهم في أوطانهم ، وانصرهم على أهل الباطل ... هم وكل المسلمين يا رب العالمين .

وأما الوجه الثاني : فإني لم أر من وراء هذا البلاء إلا كل خير وكل فرج قريب ، وكلما مر على الإخوان حزن أو جرح كلما علمت أنه الفرج القريب .

إن الله سبحانه يعد الإخوان ويهيئهم لما وراء ذلك من حمل أعباء خلافة على منهاج النبوة الراشدة ، والله سبحانه عندما تربى يوسف في القصر ابتلاه بالسجن تمهيداً وإعداداً لحمل أعباء الرسالة ، وعندما تربى موسي في القصر ، ابتلاه الله سبحانه بالتغريب والعمل بالزراعة لسنوات حتى يخرج من جسده أثر النعمة المقعدة ، وحتى يستطيع حمل مشاق الرسالة وأعباء النبوة .

وكذلك يفعل الله سبحانه بالإخون ، الله يعد منهم القادة والفرسان والجنود والكوادر والرموز والكفاءات العاملة في كل مجال ، الله يهيئهم ويدربهم ويربيهم ويصنعهم على عينه سبحانه ليحملوا أعباء خلافة على منهاج النبوة الراشدة بشر بها نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم ، ولم تحدث بعد ، وستحدث وستأتي ونحن نصدق النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم ، ويسئلونك متى هو .. قل عسى أن يكون قريباً .

-------

[email protected]

فيديوهات للحاج لاشين :
http://www.egyptwindow.net/news_Details.aspx?Kind=47&News_ID=58226

 

فيديو لأحد تلاميذه أثناء وداعه بالمقابر :
https://www.youtube.com/watch?v=Z5I4hWzv5h0&feature=youtu.be