حازم سعيد :

تمهيد :

هذه المقالة تأتي في سياق التعليق على مبادارات الإصلاح بين الانقلابيين والإخوان ، وكذلك على بعض مواقف ومقالات تراجع موقف الثورة من الانقلابيين ، يأتي على رأسها مقال للدكتور الفاضل راغب السرجاني على موقعه ( قصة الإسلام ) بدا فيه وكأنه يندب القيادة الإسلامية إلى مراجعة موقفها من الثورة والانقلابيين ، وفهمه كذلك كل من قرأه ...

الموضوع :

لا أهتم ، ولا أرى أن يهتم ، أبناء الثورة الإسلامية الوطنية بالكلام أو المبادرات عن المصالحة بين الانقلابيين وبين أنصار الشرعية - خاصة الإخوان - ولا أراه يصلح باباً للانشغال ، خاصة ممن يتصدرون قيادة المشهد في الوقت الحالي سوى ببيان واضح أو تصريح قاطع حاسم ينهي الجدل في المسألة ويمنع البلبلة عن الصف الثوري ، مع عدم الانشغال بما فوق ذلك .

كذلك لا أهتم ، ولا أرى أن يهتم ، أبناء الثورة الإسلامية الوطنية بأي توصيف للواقع الحالي بخلاف ما بدأنا به ثورتنا .. فإن كل ذلك مشغلة ملهاة عن الهدف الأسمى الذي تسير إليه ثورتنا المنتصرة إن شاء الله ..

إلا أن صدور بعض هذا الذي ذكرت من أفاضل لهم في قلوب أبناء الثورة عامة ، والحركة الإسلامية وفي القلب منها الإخوان خاصة ، المكانة والفضل والمنزلة ، حفزني للتعرض لما أثاروه ببعض تفنيد ، خاصة العمدة بمبادرته الإصلاحية والدكتور راغب السرجاني بمقالته التي أراها - غريبة - وعنوانها : ( والله أعلم بالظالمين ) وسر غربتها أو غرابتها أنها تصدر من قامة مثل السرجاني له في فقه السيرة والتاريخ الإسلامي ما له من باعٍ في استخراج الدروس والعبر والدلالات .

 

أولاً : توصيف الواقع والمشهد بكل جوانبه :

المشهد بوضوح وجلاء يتلخص في أن العسكر الموالين للأمريكان والصهاينة ( الذين هم بالقطع أعداء للإسلام ) استطاعوا أن يستغفلوا جموعاً من المصريين كانت في أغلبها رافضة للثورة من الأصل ، ولم يختاروا الإسلاميين لقيادة المشهد ، وبعد أن فاز الإسلاميون في الجولات الانتخابية المختلفة ، قام العسكر بحشد بعض هؤلاء المستغفلين في الميادين ثم قاموا بعدها بانقلاب غاشم برعاية وتحفيز الصهاينة والأمريكان وتمويل دول الخليج المرتعدة من الربيع العربي ، فخانوا وانقلبوا وسرقوا وقتلوا وسفكوا الدم الحرام ، وخلعوا الرئيس الشرعي المتفق على آلية الإتيان به ، وافتئتوا على هذه الآلية بعد أن شاركوا فيها من قبل ..

ترتب على هذا الانقلاب بخلاف الدم الحرام المسفوك أن انتهكت حرمات المساجد ، وتم تغيير مناهج التعليم بما يضمن محو الهوية الإسلامية ، وارتفع صوت النصارى وتم التمكين لهم بما جعل الدستور الذي ستسير عليه البلد ذات الأغلبية المسلمة مصنوعاً داخل أروقة الكنيسة ، وبما جعل اللوائح والنظم التي تحكم الهيئات والنقابات حتى اللوائح الطلابية تعد داخل الأديرة والكنائس .

كما ترتب على هذا تمكن أهل المعصية ، وارتفاع رايات أهل الباطل وأهل الشهوات بصورة لم يسبق لها مثيل حتى أقام الانقلابيون مسابقة للرقص الشرقي ، وأقام أهل الباطل والشهوات - دون إنكار ، بل وبتمكين من الانقلابيين - حفل ( لشواذ يعملون عمل قوم لوط ) ( يتأدبون في الإعلام - بما فيه إعلام الشرعية - ويقولون عليه زواج مثلي ، ولا يعرفون أنهم بهذا يستخدمون الطريقة الإبليسية من استبدال الألفاظ الواضحة للمعاصي بألفاظ أخف حدة حتى تخف وطأة الفعل على النفوس وتعتاده ) .. وهي الوقائع التي باتت من الكثرة ولا يمكن لعاقل أن يطلق عليها أنها فردية .

هذا بخلاف مئات الآلاف من الانتهاكات - باعتقال وسحل واغتصاب وتشريد ورفت من الوظائف ومصادرة أموال بغير حق - كل ذلك في حق من علم عنهم أنهم من عباد الله الصالحين - ولو في ظاهر حالهم - فهم مصلوا الجمع والجماعات وهم عامروا مساجد الله بالإيمان وهم أهل الذكر والصدقات وعمل الخيرات وهم رافعوا لواء نصر الشريعة والإسلام على العموم ... وفوق ذلك كله هم أنصار الحاكم الشرعي الذي فرضت شرعيته الآلية التي اختير بها واجتمعت عليها الأمة من قبل بالرضا والقبول ، ثم انقلب عليها فريق واحد - غير معدود ولا مقوم -

 

وهنا وبعد أن عرضت الصورة الحالية للانقلاب وباختصار وإجمال ، أستطيع أن أسأل أسئلة توضح خطأ النظرية القائمة على أن الوضع الحالي وضع فتنة ، أو أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم نهانا عن أن نخرج على الحاكم المسلم الظالم ، أو أنه يجب علي أن أطيع الأمير ولو ضرب ظهري وأخذ مالي .. فلا أظن عالماً أو عاقلاً بهذه الصورة الكلية يمكن أن يقول أن الرسول صلى الله عليه وسلم عني هذا الوضع بأني أسمع فيه وأطيع ...

 

ثانياً : هل هذا الوضع هو وضع الحاكم الظالم ؟ وهل السيسي حاكم مسلم ظالم متغلب ؟ وهل الثورة خروج عليه ؟

بهذه الصورة لا يمكن أن أوصف السيسي - عميل الصهاينة الخائن سافك الدم الحرام سارق المال - بأنه الحاكم المسلم ، وعمالته للأمريكان والصهاينة واجتراؤه على حرمات الله وموالاته لكل أعداء الإسلام واضحة ظاهرة ، فكيف يمكن أن ينطبق عليه وصف الحاكم الظالم المسلم ..

ولا يرهبني أحد بأني بهذه الصورة تكفيري أو غير ذلك ... الأمر واضح جلي ، لا يحتاج لكثرة فلسفة أو تنظير .. هذا خائن يهودي نجح اليهود والأمريكان في زراعته بسدة الحكم ببلادنا وأفعاله التي توجب جهاده وتنزيل أحكام الجهاد عليه أكثر من أن تحصى ، ولست حين أجاهده مخالفاً للشريعة ، بل أنا من مناصريها حينئذ ، وإن أعجب فمن التباس الوضع على مثل الفاضل السرجاني ... إلا إن كان لا يقصد ما فهمته من مقالته ، حينها أقول له أن مقالتك جاءت في التوقيت الخطأ يا دكتور ..

 

ثالثاً : هل يمكن أن يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم هؤلاء بأنهم لو أخذوا مالي وضربوا ظهري أن أطيع لهم ؟

ولا أحسب سوق حديثٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل حديث حذيفة عن الفتن ، إلا اتهاماً مباشراً -  وأنا أعلم أن الدكتور راغب لا يقصد ذلك بالقطع واليقين - .. أقول لا أظنه إلا اتهاماً مباشراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولشريعته بقلة المروءة وكونها جوفاء ..

 وكما قلت من قبل رداً على برهامي في فتواه عن المغتصبة وترك وليها للدفاع عنها حفظاً للنفس إذا تيقن من هلاك نفسه بالدفاع .. أقول : أي قيمة للحياة بعد ذلك ؟ ! وأي دين هذا وأي شريعة تلك التي دائماً تحثنا على الهدوء والدعة أمام الانتهاكات والفظائع الكبرى والأمور العقدية الكارثية التي وقع فيها السيسي ومن معه ، وتحت أي مقصد يمكن أن يندبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للسمع والطاعة لأمثال السيسي ومجلسه العسكري الخائن ؟؟؟؟؟

ما هو الهدف الكلي والغاية العظمي والمصلحة الكبرى التي يندبنا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنتقبل بعض مظالمهم مقابل ذلك الهدف  وتلك الغاية  وهذه المصلحة  ؟؟؟؟؟

لقد أضاعوا الدنيا بالسرقات والفشل ، وأضاعوا الدين بموالاة أعدائه والتمكين لمناهجهم والعدوان على أهل الله وخاصته والعدوان على بيوته وإضاعة حرماته .

فأي هدف يبقى كي لا أخرج عليهم .. وما قيمة الحياة وكل هذه المنكرات والموبقات والكوارث والطوام ؟

أفهم أن أسقط حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمراء الدولة الأموية أو العباسية ... الخ فقد كانوا يقيمون الدين في الجملة فيحافظون على الشعائر وبعضهم يجهز للغزو والجهاد وإن فعلوا المعاصي فما كانوا يملكون جرأة الجهر بها أو تعميمها كأمرٍ واقع وإذاعتها ونشرها والتمكين لأهلها ، وكان فيهم - رغم المعاصي وكثير من المظالم من يقول للسحابة أمطري أنى شئت فسيأتيني خراجك ، ومنهم من قال لمن استغاثت به لبيك يا أختاه وسير لها الجيوش .. أما أن أسقط هذا الحديث على أمثال الخائن السفاح العر# الذي يهدم الدين ويمكن لأهل الكفر والعصيان ، ولم يحاول توطيد ملكه من الأصل - ولم يتوطد حتى الآن - إلا بسفك الدم الحرام ، فهذا ما لم أكن أتخيل أن يقع فيه أمثال الفاضل الجليل الدكتور السرجاني أبداً ، وهو من هو في العقل والرسوخ في فهم التاريخ وسننه والإسلام .

 

رابعاً : ما نحن فيه ، هل هو جهاد ضد الكفر أم خروج على الحاكم الظالم ؟

بهذه الصورة فإن ثورتنا ما هي إلا خروج لمناصرة الحاكم الشرعي العادل ضد من خرجوا عليهم ، السيسي والانقلابيون هم الخارجون على الحاكم ولسنا نحن ، إنما وقفنا لمناصرة الحق والشرعية والشريعة ، وقام السيسي ليخرج علي كل ذلك ، وإن بدا في ظاهر الأمر أنه تمكن فما هو إلا على أوهن من بيت العنكبوت ، الأمر الآن لا يخرج عن كونه فسطاطين ، فسطاط للانقلابيين بدا - ظاهراً - أنه يمتلك قوة من العتاد ، وهو متفكك ليس له أيديولوجية غير موالأة الكفار وأعداء الشريعة ، وفسطاط آخر لأنصار الشرعية بدا أنه خال من العتاد ، وإن كان يملك عقيدة واضحة ومنهجاً كلياً شاملاً ، وعدة بشرية كبرى ، وفوق ذلك كله يستمدون من ربهم العون والمدد ، ويملكون من الآليات والابتكارات والتجديد ما يرفع ميزان قوتهم ، بهذه الصورة والوضوح لا يمكن أن أقيس أحاديث الحاكم الظالم والخروج عليه على واقعنا المغاير تماماً .. وحاشا وكلا أن ينهانا الشرع الكريم والرسول العظيم صلى الله عليه وسلم عن تغيير هذا الوضع أو العمل على تغييره أو مقاومة هؤلاء الانقلابيين ، بل ويندبنا إلى السمع والطاعة إلى من يرعى هذا الوضع .. حاشا وكلا .. أي شرعٍ  هذا وأي مصلحة وأي غاية ؟!

 

خامساً : المخالفات الشرعية ، ومفاسد الانقلاب :

بهذه الرؤية فأين هي المخالفات الشرعية التي يمكن أن يقع فيها المدافعون عن الشرعية وعن الحاكم العادل الذي افتئت عليه ؟

إن هذه الدعوى مثلها مثل دعوى أن من قتل عماراً هو من أخرجه ..

هل قصاص الثوار الأحرار من الضابط المغتصب أو من أمين الشرطة القاتل هل هو مفسدة أو فتنة أو مخالفة شرعية ؟

وإن حبس ولي الأمر الشرعي والحاكم العادل الذي ينبغى أن يكون هو منفذ القصاص ، فهل لو قام الثوار بهذه الرؤية التي أعرضها في المقالة بأخذ القصاص وتمكنوا من ذلك ، هل يعد هذا افتئاتاً على الحاكم أو مخالفة شرعية ، لا أحسب أن الشريعة تقود إلى ذلك ... فالانقلاب بتطبيقاته وبآثاره وبمآلاته كله فساد وفتن وشرور وآثام .

لقد أضاع الانقلابيون الدنيا ومصالح العباد بالغلاء والفقر والضنك والمرض والسرقة والرشوة والمحسوبية والفساد والفشل في إدارة الأمر وقيادة البلد لما فيه صالح العباد والبلاد .

كما أضاعوا الدين على الوجه الذي بيناه في التمهيد ...

كذلك لو أن قتل أحد الثوار من قبل الجناة الظالمين سواءاً كان أثناء المظاهرات أو أثناء أخذه للقصاص من الظالمين هل يعد هذا مخالفة شرعية لمن أخرجه ؟ ! كيف ذلك ؟! وقد انتدبنا الله سبحانه لقول الحق عند السلطان الجائر ، فما بالك بالمغتصب الانقلابي عميل اليهود والأمريكان ؟!

مشكلة موضوع المخالفات الشرعية أنه ينحو نحو الطريقة البرهامية - مع الفارق بين الجليل السرجاني وبين من أوضع نفسه كالبرهامي - فهو يأخذ النص ويقتطعه من سياق واقعه لواقع آخر تماماً غير ما قيل فيه النص ، وغير ما يمكن أن ترمي إليه مقاصد الشريعة الإسلامية .

تلك الشريعة التي أعلت من قيمة الجهاد والصدع بالحق ومقاومة الظلم والظالمين والقيام بشأن إعلاء كلمة الله ولو كلف ذلك النفس والمال والأهل ... إنها روح يا دكتور راغب تعلمناها من أمثالك من الفضلاء ، فكيف لي الآن أن أنزع هذه الروح وأذهب إلى نصوص أجردها من مضامين أخواتها التي وضعت معها لتصبح جرداء بمطلقها ومطلق تنزيلها على الواقع الذي يستحيل عقلاً وشرعاً أن تكون عنته أو قصدته .

 

سادساً : لا تهادن ولا تصالح :

إذا كان الأمر كما وضحته بهذه المقالة مبنياً على فلسفة عقدية وأيديولوجية وينطوي كذلك على القصاص ( ومن مضامينه الثأر ) ، فكيف لنا أن نتخيل أن الإخوان الذي هم قلب فصائل الشرعية وأنصارها يمكن أن يقبلوا بمثل هذه المبادرات ...

أي كلام يتحدث عن صلح مع هؤلاء الانقلابيين الخونة أو يهادنهم أو يرضى بحلول وسطى معهم يبقى مجرد كلام .. ولسنا من الضعف أو الهوان لنرضى بأي حال غير القصاص من السيسي الخائن ومن معه .

كما أنا لسنا من قلة المروءة أن نضيع دماء إخواننا وأبناء جلدتنا ومن هم قلوبنا وأكبادنا هدراً ، إن الذي بيننا وبين الانقلابيين ثأر ودم وقصاص ، والذي بيننا وبين الانقلابيين المجرمين خيانة اقترفوها ، وأعراضاً انتهكت واستبيحت ، وبلداً ضيعت إرادته واغتيلت حريته ، إن الذي بيننا وبين الخونة الانقلابيين عقيدة يضيعونها وديناً يغيبوه لصالح أهل الباطل ..

أفبعد هذه الجرائم صلح ؟ ! ليس بعد هذه الجرائم وتلك الموبقات إلا القصاص والتشريد والإبعاد ، وليس هناك عاقل داخل الإخوان فرداً كان أو قائداً يمكن أن يذهب بعيداً عن ذلك ، وإن نصر الله قريب وموعد أخذ الثأر وشيك إن شاء الله دون مصالحة أو مهادنة أو موادعة ، بل قصاص عادل رادع ناجز ، ويسئلونك متى هو .. قل عسى أن يكون قريباً .

كبسولة :

ليس أمثال الدكتور راغب السرجاني من يهاجم إذا اجتهد وظن المحللون أنه أخطأ ، إن له قدم صدق وسوابق علم وفقه في سنن التاريخ وتعليم وتوضيح للخيوط الفاصلة بين الحق والباطل .. أقول للشباب الذي هاجمه على الفيس ، ما هكذا تورد الإبل ، وليست هذه دعوتنا .. الله سبحانه يقول : " ولا تنسوا الفضل بينكم " وما مثلنا بالذي ينسى فضل الدكتور السرجاني ، والإمام البنا يقول :  " تجنب غيبة الأشخاص وتجريح الهيئات ولا تتكلم إلا بخير " ، ما عدا كلامي هذا لا يمكن أن أفهمه في إطار دعوتنا ولا قيمنا ولا أخلاقنا ، ولا أراه يشفع للمهاجم ما هو فيه من ضغط وإحساس بالقهر والظلم .. كلنا نرزح تحت وطأة هذا القهر والظلم .. ولكن هذا هو الفرق بين العاقل اللبيب صاحب البصيرة والفهم وبين العاطفي المتأجج بالثورة دون فقه ولا روية ، وأربأ بالثوار الإسلاميين أن يكونوا كذلك ..

----------

[email protected]

رابط رائع لمقطع قديم للشيخ نبيل العوضي يتحدث عن كيف نرى حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والذي فيه " وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك " ....

https://www.youtube.com/watch?v=gF36bGEqvLU