بقلم - شرين عرفة :

في واحدة من روائع السينما المصرية يقف الفنان " يحيى شاهين " (الشيخ إبراهيم ) مجتمعا بأهل ( كفر الدهاشنة )بعد  الفراغ من صلاة الجمعه في مسجد القرية ، قائلا لهم : ( يا إخواني ، انتم عارفين إن جوازة عتريس من فؤاده باطل ، وإن فؤادة لازم ترجع لأهلها )
ولأن العبيد كما هم في كل زمان و مكان ، كان رد أحد هؤلاء : يا شيخ إبراهيم وإحنا مالنا ( و ابناء هؤلاء  يقولون الآن : إيه اللي وداهم هناك ؟!)

ولأن حزب النور فكرة والفكرة لا تموت ، يقول أحدهم : يا شيخ إبراهيم ده وقته ولا ده مكانه ؟! )

ويعقب آخر  : ( يا شيخ إبراهيم : عايزنا نبطل الجوامع كمان؟!)

فكان رد الشيخ ،( أكثر أهل القرية عطاء وأفضلهم صلاحا ، وكان دوما يدعو للحق ويرفع رايته بدون خوف من عواقب ، يعلو بالحق صوته و لا يخشى في الله لومة لائم ) قائلا : ( ما أنتم منهم ، أيوة منهم ، ما الجبان يبقى من العصابة لأنه بجبنه بيخليهم يدوسوا على الناس أكثر،  واللي بيسكت برضه منهم لأنه بسكوته بيخللي صوتهم هما يعلو )

يبدع الكاتب الكبير ( ثروت أباظة ) في قصته القصيرة والتي تحولت إلى الفيلم سينمائي ( شيء من الخوف ) في رسم صورة الديكتاتور في كل زمان ومكان ، الديكتاتور الذي أراد توريث العرش لابنه ومشى ابنه على خطاه في الظلم والقتل والطغيان ، حتى إستطاعت إمرأة واحدة بشجاعتها وجرأتها أن تقف في وجهه وتشجع الثوار والصالحين من أهل القرية على الصدح بكلمة الحق والوقوف في وجه الظلم ،
فحمل راية الثورة ذلك الشيخ الذي آمن بأن الدين الإسلامي منهج حياة ،دين ودولة ، قول وعمل ، وسخر حياته للدعوة والعمل في سبيل الله و آمن أن الجهر بكلمة الحق والوقوف في وجه الظالم أفضل الأعمال على الإطلاق ،وأن الموت في سبيل الله أغلى الأماني، و قد دفع ثمن ذلك غاليا ، حيث قتل ولده الوحيد وكل ما لديه في الحياة ، فلم يثنه ذلك عن الجهر بكلمة الحق .
وأبدع مخرج الروائع "حسين كمال " في رسم مشهد النهاية ، حينما أصرت الحرة ( فؤادة ) وتؤدي دورها "الفنانة شادية " على رفضها الزواج من عتريس حتى بعد تهديده لها بقتل محمود ابن الشيخ إبراهيم ،قائلة له بكل سخرية : (يا غلبان أنا مش ممكن أبيع نفسي ليك ولا أبيع الدهاشنه ، بعد ماذاقوا كلهم المر، ولو وافقت دلوقتي بكرة تدوس على البلد كلها ،ولو قتلت محمود انهارده ، البلد فيها ألف محمود ، والدهاشنة هتعيش )

ويأتي الشيخ إبراهيم حاملا جثة ابنه ووراؤه ابناء القرية كلهم يهتفون : ( جواز عتريس من فؤاده باطل )
وينفض عن عتريس رجاله وعصابته ، وأول من يبيعه أقرب رجاله أليه ، الذي يغلق عليه باب غرفته كي يموت محترقا بنيران أهل القرية ، ويعود الأخيرون لبيوتهم منتصرين ومعهم فؤادة ، وينتهي الفيلم المبدع بمشهد الثورة على الظلم والقضاء على الظالم ، ولا نعرف مصير عصابة عتريس أو مجرميها.
ولو كان المخرج "حسين كمال "يعيش بيننا الآن لأخرج جزء ثان من الفيلم ، وجعل بطله هو ( رشدي ) أحد رجال عصابة عتريس ويقوم بدوره الفنان الكبير "أحمد توفيق " ذلك الشخص القصير الأحمق والذي لا تتوافر به أي صفات الزعامة أو القيادة وأراد أن ينافس عتريس ، وخرج بنفسه يجمع الإتاوات ، فلم يخشاه أهل القرية وأوسعوه ضربا ، فمشى كالمجنون يصرخ : ( أنا سفاح ، أنا بلوة سودة ، أنا شراني ، أنا أجدع من عتريس ) أو بطريقة أخرى ( أنا عذاب ومعاناة ، هتدفع يعني هتدفع).

ويحكي الفيلم حكاية كفر الدهاشنة مرة أخرى بعد أن تنعمت عاما كاملا في عهد الرجل الصالح التقي (الشيخ إبراهيم )، وذاقت معنى الحرية والكرامة ،حتى تسبب العبيد فيها بعودة الظلم متربعا على عرشها ثانية .
فلم يعد لهم ذلك الديكتاتور العاقل ( عتريس ) بل القصير المجنون (رشدي أوميجا) والذي حلم بالزعامة وهو أحمق  ، قزم ، لا يصلح حتى أن يكون حارس عقار ،
وأتصور أن يطلق عليه المخرج اسم ( شيء من الهبل ) تماشيا مع الحقبة المجنونة والمشئومة التي ستمر بها ( كفر الدهاشنة) القرية المحروسة ، النموذج المثالي لبلاد الأحرار والعبيد والطغاة ، على مدار الأزمنة وفي كل العصور.