بقلم - عزت النمر :

لاشك أن وضع مصر السياسي والاقتصادي والاجتماعي ووجودها الاقليمي والدولي وما يعانيه شعبها على كافة الصُعد لا يرضي أحداً , لا في ماضيها القريب ولا في واقعها المعاصر وحتى المستقبل فإن الأمر مرشح لمزيد من التردي حال لم يتحرك صوب الإنقاذ أبناؤها والمخلصون .

الإنقلاب العسكري أدخل مصر في دوامة من الأزمات تهدد كيانها ومستقبلها ما جعله بغير مبالغة أسوأ ما تعرضت له مصر في تاريخها الحديث , لا أحد يسأل عن مستقبل لمصر تحت حكم العسكر فإن عام من عُمر الإنقلاب أعاد مصر لنصف قرن من الزمان , فعن أي مستقبل لمصر نتكلم ان استمر هذا الانقلاب أو طال ليله ؟!. 

هذا الواقع الأسيف يفرض علينا حزمة من التساؤلات كلها تدور حول مستقبل الحراك الثوري الذي تشهده مصر ؟ وكذا مستقبل الانقلاب ومصير قادته ؟ واذا كانت شواهد ومعطيات السنة الأولى من عمر الانقلاب ترجح وتدفع في اتجاه سقوط الانقلاب وتقويض أركانه , فإن السؤال الأهم هو المدى الزمني لحدوث ذلك ؟!. 

ثمة سؤال آخر مهم ويبدو منطقياً فيما نحن بصدده ألا وهو هل سقوط الانقلاب يعني بالضرورة انتصار الشرعية أو على الأقل تحول ديمقراطي حقيقي ؟ أم أننا يمكن أن نجد أنفسنا بصدد وضع ثالث في صياغة جديدة بعيدة عن النتائج التقليدية والأوضاع المتوقعة والآمال المعقودة ؟!.

الصراع التقليدي يكون بتجميع النقاط لحسم فوز وخسارة أحد الأطراف هو حالة نمطية قد تغيب في صراعات أخرى قد يكون منها حالتنا التي نتناولها بالدراسة والتحليل . لأنه قد تحدث مفاجآت صادمة في بعض الصراعات فتقلب الطاولة وتحيل المشهد الى زوايا حادة لم تكن في الحسبان ولم تخطر على بال .

من الحقائق التي لا مراء فيها أن كل ما سبق واحتمالاته لا يغير من القناعات الواقعية والتوقعات الجازمة اتفاقاً بسقوط الانقلاب وذهاب ريحه, يؤكد ذلك ثوابت التاريخ ومعطيات الواقع اضافة الى سنة من عُمر الإنقلاب انقضت فلم تبق على ذرة من شك في أن هذا الانقلاب الى زوال سواء عند أشد المتشائمين من مؤيدي الشرعية ولا عند أكثرهم سذاجة من الحالمين ببقاء الانقلاب أو تثبيت أركانه .
لا أحد من مناصري الانقلاب أو مؤيديه الواقعيين العقلاء يشك في زوال اللانقلاب وطي صفحته خاصةً أذا كنا بصدد تقييم واقعي حقيقي نتجاوز فيه ما يطلق من تصريحات من قبيل الحروب النفسية حيناً أو من قبيل الأماني العاطفية أحيانا أخرى .

ثمة توصيف يروق للبعض وفيه شيء من الصحة هو أن هذا التدافع بين الانقلاب والشرعية هو في حقيقته صراع بين الاستبداد والحرية , بين مصر مبارك والعادلي وفتحي سرور وبين مصر الديمقراطية والأمل , بين العسكر بسطوته وقسوته وتاريخه الأسود وبين الإرادة الشعبية وكلمة الصندوق , بين سنوات القهر والظلم والخوف وظلالها السوداء وبين ثورة 25 يناير ونقائها وقيمها وآمالها . اذا سلمنا بهذا التوصيف فلا ريب اذن أن نتوقع نهايه المحتومة للإنقلاب وسدنته في مقابل نصر عزيز للشرعية ومن يؤيدها .

نقطة أخرى جدير ذكرها في توصيف أدق للمشهد المصري وهي أن التدافع الحاصل في مصر مازال بين قلة قليلة لكنها مؤثرة بما تملك من نفوذ وسطوة وبين تيار هادر من أنصار الشرعية ومؤيديها , وأن قطاع عريض من جماهير الشعب المصري مازالت ترقب الأحداث وأنها مع وعيها الكامل بطبيعة الصراع وموقفها منها الا أنها لم تنتقل بعد الى موقع المشاركة وهي خطوة ــ إن حدثت ــ تحسم الصراع وتكتب خاتمته. 

بالقفز على المقدمات والولوج مباشرة الى ثنايا المعادلة ندخل مباشرة الى مفردات الصراع ونقف على الوزن النسبي لكل منها وصولاً الي نتائج متوقعة مبنية على تحليلات واقعية تحدد حظوظ كلا الفريقين في مستقبل مصر القريب .

لأمر ما نبدأ برأس الانقلاب ورمزه وقارئ بيانه الأول عبد الفتاح السيسي الذي يمثل الانقلاب بكل وقاحته وعمالته وقسوته , كأنه يملك كل شئ , فالآلة العسكرية في يمينه والحكومة طوع بنانه والإعلام مُسير وليس مُخير والقضاء خاضع لما يرى ويهوى , ليس هذا فحسب بل وضع هو شروط اللعبة وقوانينها حسبما يريد وأعاد تخطيط الملعب بما يناسب قدراته وملكاته ..  فهل بعد ذلك كله استطاع أن يهزم خصمه أو أن يسيطر على الملعب أو ينتزع آهات الجماهير أو يفوز برضاها وويزيد من شعبيته وجماهيريته ؟!!..  

الصورة والانطباع الذي خلفه سيسي الانقلاب وملأه هو حالة من الإرتباك والتخبط جعلت الانقلاب ورموزه وأساطينه طوال سنة عمره الأولى يصارعون غبائهم وأخطائهم أكثر مما يصارعون خصمهم ومنافسهم . حالة الفشل والغباء هذه جعلتهم يسيرون بسرعة نحو هاوية سحيقة بعدما أضاعوا بغبائهم هيبة الدولة واحترام الجيش , ولا عزاء لرمزهم وسيسيهم الذي قدموه للشعب المصرى في صورة طرزان الغابة فلم يمر العام الإ وظهرت حقيقته وأصبحت فضيحته عالمية "وبجلاجل" ولا ندري ماذا ينتظره في مستقبله القريب .

ثاني القوى المؤثرة في المشهد وهي مؤسسات الدولة التي عزفت لحن الانقلاب وحملت "بيادته" حتى قبل ان يحدث , هذه القوي فقدت بريقها داخلياً وخارجياً فالإعلام الذي نال بأكاذيبه من شعبية الاخوان لم يستطع أن يبني مجداً للسيسي ولا حافظ على شعبية الانقلاب , والقضاء الذى قتل ثورة يناير وذبح قادتها أهان نفسه وخصم من رصيد الانقلاب بل أنه أهدر سمعته وقبح وجه مصر في فضيحة سيظل يتحدث بها الركبان . قل مثل ذلك وأكثر في الأزهر الذي كان , والكنيسة التي لم تكن يوماً ولن تكون .

ثالث الأثافي في منظومة دعم الانقلاب وهي الخليج وأمواله ووعودة , ويبدو أن الخليج قد أصابته لعنة الانقلاب فالأحداث الاقليمية جعلت الخطر الإيراني أكثر تهديداً من أي وقت مضى فضلاً عن قلاقل داخلية مكتومة ومؤامرات وخلافات تشم فيها مقدمات انقلابات توشك أن تعصف بالعائلات المالكة , المهم شُغل الخليج بنفسه فلا هو دفع فاتورته ولا يُتوقع أن يفى بوعده , ما يجعل الإنقلاب وسيسيه في مهب الريح .

أمريكا يبدو أنها لا تستطيع أن تتحمل حماقات الانقلاب وسقطاته وغبائه أكثر من ذلك , فالإحراجات المتتالية التي جنتها الإدارة الأمريكية من سلوكيات الانقلاب وخطاياه أوصلها الى حقيقة واقعة وتقييم عام أن حاضر الانقلاب سئ ومستقبله مظلم وأن المبالغة في دعمه خطيئة , ولا نتحدث عن اسرائيل التي تبحث عمن يخرجها من مأزقها الحاد وهي تتلقى الإهانات وتواجه العار على يد حماس ربيبة الاخوان المسلمين وفرعها في غزة .

آخر القوى في المعادلة وهو تحالف دعم الشرعية وهو يملك ثروة وكنز من هؤلاء الأتباع الذين قدموا صورة رائعة من الثبات والبطولة وهم يواجهون الموت في محافظات مصر وشوارعها , واستطاعوا أن يثبتوا وجودهم وحيويتهم واستمرارهم في الشارع في حقيقة أعيت الانقلاب وأفقدته رشده وأذلت كبريائه وأودت بهيبته . 

تحالف دعم الشرعية طوال عامه الأول لم يجد الخلطة السرية التي يستطيع بها أن يخطو الخطوة النهائية لكسر الانقلاب , لكنه على كل حال كسب نقاط مهمة في جولة السنة الأولى , أولاها أنه استطاع أن يحافظ على جذوة الثورة وحيوية الشارع الثوري وتمكن من المناورة بحرفية بحشوده وأتباعه وفرض نفسه وأثبت وجوده واقعياً واعلامياً داخلياً وخارجياً . 

مما يحسب للتحالف ــ بعد عام من الانقلاب وبعد مسرحية انتخابات الرئاسة وهزلية حفلات التنصيب ــ أنه لم يسمح للسيسي ونظامه أن يستقر أو يهنأ . الأهم من ذلك أنه استطاع أن يستفيد من أخطاء الانقلابيين ليكسب كل يوم أرضاً جديده ويسير بهدوء في طريق استرداد شعبيته التي فقدها وإعادة كتلته الصلبة التي طالما اعتمد عليها وفاز بها .

أعتقد أننا أمام مسارين أحدهما للسيسي وعصابته والآخر للتحالف ومؤيديه , كلا المسارين يسيرا في اتجاه واحد لا اتجاهين وأنهما يخدما غاية واحدة هي كسر الانقلاب وطي صفحته , والأحداث التي تقع في المنطقة تعجل بهذه النتيجة وتدفع في اتجاهها , واعتقد أننا لم نكن في وقت من الأوقات أشبه بأسباب وظروف ثورة 25 يناير منا الآن , والكواليس فيها ما فيها والمفاجآت واردة , ولا ندري في أي اتجاه تحدث , لكنها تحمل من الخير الكثير .. 
وإن غداً لناظره قريب !!.