صلاح شطا : 

·         توفي يرحمه الله عن عمر يناهز الـ 95 عاما تاركا خلفه إرثا فكريا ينير ثقافة أمة الاسلام لعقود متتالية وعشرات الألوف من طلبة العالم الذين تتلمذوا على يديه أو نهلوا من علمه ، ونحسبه ممن يصدق فيهم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الوارد في صحيح الجامع للألباني ورواه نفيع بن الحارث الثقفي أبو بكرة "خير الناس من طال عمره و حسن عمله، و شر الناسمن طال عمره و ساءعمله".

·         توفاه الله بعد فجر الجمعة ... "خير يوم طلعت عليه الشمس" كما روى بصرة بن أبي بصرة الغفاري عن رسولنا الكريم في الحديث الصحيح الوارد في الصحيح المسند للوادعي.

·         القريبون من العالم الجليل يرحمه الله يجمعوا على اتصافه بالكرم والتواضع الجم ، وعدم حب الظهور وحبه للتفرغ للكتابة والاشراف على الرسائل العلمية والتي أنتجت هذا الارث الكبير من المؤلفات والمحاضرات واللقاءات التي ستكون له صدقة جارية إلى يوم يرث الله الأرض ومن عليها ، وفي هذا نذكر حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام الذي رواه معاذ بن جبل واسناده صحيح أو حسن أوماقاربهما ، كما نقله المنذري في الترغيب والترهيب " إنَّ اللهَ يحِبُّ الأبرارَ الأتقياءَ الأخفياءَ الَّذين إن غابوا لم يُفتَقدوا ، وإن حضروا لم يُعرَفوا . قلوبُهم مصابيحُ الدُّجَى يخرُجون من كلِّ غبراءَ مُظلِمةٍ" ... اللهم جعله كذلك ونحن معه برحمتك ياأرحم الراحمين.

·         حالة اللهفة والسؤال والاطمئنان التي شهدتها أروقة مستشفى المركز الطبي الدولي بجدة ، وصلى الآلاف من الدعاة والمشايخ والأكاديميين بجامعة أم القرى وأساتذة الجامعات وتلاميذ الراحل وعموم المسلمين بالحرم المكي صلوا عليه صلاة الجنازة عقب صلاة العشاء في نفس يوم وفاته الجمعة الرابع من ابريل 2014 ثم شيعوا جثمانه في موكب مهيب إلى مقابر المعلاة بمكة ، حتى أن بعض المتأخرين والذين لم يدركوا الصلاة في الحرم المكي ، فتوجهوا للمقابر وصلوا على الجثمان قبل دفنه وأمهم هناك إمام الحرم المكي فيصل الغزاوي. كل هذا إضافة إلى شهادة القريبين منه يرحمه الله من أنه كان هاشا باشا ليس له عداوات مع أحد ، كل هذا شاهد خير ورحمة بإذن الله على حسن الخاتمة لهذا العالم الجليل ، نحسبه كذلك ولانزكيه على الله ، ويصدق عليه قول الإمام أحمد (موعدكم يوم الجنائز).

·         من فضائل الدفن في مقابر المعلاة أنها أفضل المقابر استقبالا للقبلة لقربها من الكعبة ، وتسمى أيضا ثنية المقبرة ومنها دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم حجة الوداع.

·         من صور حسن الخاتمة أيضا الدفن في المدينة أو في مكة –حماهما الله- ، وفي الحديث الذي حسنه السيوطي في الجامع الصغير يروي عبدالله بن عمر أن رسول الله قال " أنا أولُ من تنشقُ الأرضُ عنه، ثم أبو بكرٍ، ثم عمرَ، ثم آتي أهلَ البقيعِفيحشرونَ معي، ثم أنتظرُ أهلَ مكةَ، حتى أُحشرَ بين الحرمينِ" ، وعلى الرغم من أن السيوطي قد حسن هذا الحديث إلا أن الأكثرية على ضعفه ، والمقصد هنا بصلاح مكان الموت.

·         كان رحمه الله مهموما بشئون أمته ، كرس حياته لتوعية المسلمين بالمخاطر التي تحيط بهم ، وتذكيرهم بمجدهم التليد يوم كانوا خير أمة ، وقد فاز بجائزة الملك فيصل العالمية عن الدراسات الاسلامية عام 1988 ، ومن روائع سيرته أنه من كثرة مايلقى من ثقة أصحاب الرأي في المملكة فإنه عٌهد اليه بتأليف منهج التوحيد في المرحلتين المتوسطة والثانوية.

·         تعد جائزة الملك فيصل العالمية ، والتي حصل عليها المغفور له بإذن ربه عن فرع الدراسات الاسلامية وباعتبارها واحدة من أرفع الشهادات الاسلامية العالمية والتي تمنح للعلماء في خمس مجالات للمعرفة وهي خدمة الإسلام، والدراسات الإسلامية، والآداب والدراسات اللغوية ، الطب والعلوم. ويشترط في من يفوزوا بالجائزة تحقيق الأهداف التالية:

o        العمل على خدمة الإسلام والمسلمين في المجالات الفكرية والعلمية والعملية.

o        تحقيق النفع العام للمسلمين في حاضرهم ومستقبلهم.

o        تأصيل المُثُل والقيم الإسلامية في الحياة الاجتماعية وإبرازها للعالم.

o        الإسهام في تَقَدُّم البشرية وإثراء الفكر الإنساني.

ولما كان فضيلته يرحمه الله من أوائل الحاصلين على هذه الجائزة ، فانها وسام ودليل على عظم ماقدمه الفقيد لخدمة أمته ودينه وعقيدته ، واعتباره رمزا للوسطية السنية المعتدلة والتي تتعرض لحرب ضروس لمسخ هويتها ، ولمن أراد معرفته عن قرب فليقرأ مؤلفه البديع "واقعنا المعاصر".

·         كل هذا نحسبه صدقة جارية انقطع عمله في الدنيا إلا من الثلاث ومنها العمل الصالح كما ورد في الحديث الثابت عن الرسول الأمين "إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ : صدقةٍ جاريةٍ , أو علمٍ يُنتفَعُ به , أو ولدٌ صالحٌ يدعو له" الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه وحدث به بن باز في مجموع فتاوى بن باز.

·          

·         رحيل العلماء هو من علامات نشر العلم بغير علم وظهور علماء ليسوا بعلماء يضلوا ويفسدوا ويتبعهم الغاوون. وفي هذا نَذكر حديث المصطفى الكريم "سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول : إن اللهَ لا يقبضُ العلمَ انتزاعًاينتزِعُهُ من العبادِ، ولكن يقبضُ العلمَ بقبضِ العلماءِ، حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا، اتخذَ الناسُ رُؤوسًا جُهَّالًا، فسُئِلوا، فأفْتَوا بغيرِ علمٍ، فضلوا وأضلوا ." حديث صحيح رواه عبدالله بن عمرو وحدث به البخاري في صحيحه ... نسأل الله أن يثبت أهله وأن يأجرهم ويأجرنا في مصيبتنا ، وأن يخلفنا فيه خيرا.

·         من أواخر مانقل عنه يرحمه الله "بعض الناس لما يسمع الحديث الصحيح (بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ) ظن أن الاسلام سينتهي ، وهو لن ينتهي لأن بقية الحديث (فطوبى للغرباء الذين يصلحون ماأفسد الناس من سنتي) يعني الغرباء لهم دور يؤدونه ... ينشرون الاسلام ، يزيلون غربة الاسلام بأن يكونوا هم نموذجا حياً للاسلام ، وهذه هي أفعل الطرق في الدعوة إلى الله.

·         من ملمات الدنيا التي ألمت به يرحمه الله ، فترة الابتلاء وسنوات الاعتقال والتعذيب في سجون عبدالناصر ، واستشهاد أخيه الأكبر سيد قطب في سجون عبدالناصر ، واستشهاد ابن أخته أيضا في تلك الفترة أثر تعذيبه على ايدي زبانية مراكز القوى أيام عبد الناصر ، واعتقال أخواته الثلاث ، ومنهن من حكم عليها بسنوات عشر ، ومكابدة الانفاق على الأسرة بعد استشهاد أخيه الأكبر يرحمه الله ، ثم السعي في الأرض يلتمس فيها الرزق والأمن ، كل هذا اضافة إلى معاناته مع المرض في السنوات الأخيرة وخاصة بعد الجلطة الدماغية في رمضان 1431 هـ وماتبعها من اعتلال صحته ، إلا أنه كان ينافح في الكتابة ونقل علمه في المحاضرات وكان آخر كتاباته "الحدود الآمنة لاسرائيل" والتي قال عنها يرحمه الله "قد يصعب وجود ناشر يطبعه" .... نسأل الله أن يجعل آخر عنائه قد كان في الدنيا وأن يبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وأن يرضى عنه ويفسح له في قبره مد بصره ، وأن يريه مقعده في أعلى عليين ، وأن يحشرنا معه ووالدينا وأهلينا وذرياتنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير عباد الله محمد المصطفى الأمين ، وعلى آله وصحبه والتابعين.